حضور وقد أعد الخلع والجوائز، إذ دخل بغا فقال: يا سيدي والدة عبدك يونس في الموت، وهي تحب أن تراه، فأذن له فخرج، ففتر المعتز بعده ونعس، وقام الجلساء إلى أن صليت المغرب، وعاد المعتز إلى مجلسه، ودخل يونس وبين يديه الشموع، فلما رآه المعتز دعا برطل فشربه، وسقى يونس رطلا، وغنى المغنون، وعاد المجلس أحسن ما كان، فقال المعتز:

تغيب فلا أفرح ... فليتك لا تبرح

وإن جئت عذبتني ... بأنك لا تسمح فأصبح ما بين ذين لي كبد تجرح ...

على ذاك يا سيدي ... دنوك لي أصلح ثم قال: غنوا فيه، فجعلوا يفكرون، فقال المعتز لابن الفضل الطنبوري: ويلك ألحان الطنبور أملح وأخف فغن لنا، فغنى فيه لحنا، فقال: دنانير الخريطة، وهي مائة دينار، فيها مائتان، مكتوب على كل دينار: ضرب هذا الدينار بالحسني لخريطة أمير المؤمنين، ثم دعي بالخلع والجوائز لسائر الناس فكان ذلك المجلس من أحسن المجالس.

حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا الفضل بن العباس بن المأمون قال: كنت مع المعتز في الصيد، فانقطعنا عن الموكب هو وأنا ويونس بن بغا، ونظرنا إلى دير فيه ديراني يعرفني وأعرفه، ظريف مليح، فشكا المعتز العطش، فقلت: ها هنا ديراني ظريف مليح، فقال: مر بنا، فجئنا فخرج إلينا وأخرج لنا ماء باردا وسألني عن المعتز ويونس فقلت: فتيان من أبناء الجنة، فقال لي: تأكلون شيئا؟ قلنا: نعم، فأخرج لنا أطيب شيء في الدنيا، فأكلت أطيب أكل، وجاءنا بأطيب أشنان، وأحسن آلة، فاستظرفه المعتز وقال لي: قل له بينك وبينه من تحب أن يكون معك من هذين لا يفارقك؟ فقلت له، فقال: كلاهما وتمرا، فضحك المعتز حتى مال على الحائط، فقلت للديراني: لابد من أن تختار، فقال: الاختيار والله في هذا دمار، ما خلق الله عقلا يميز بين هذين، ولحقنا بالموكب، فارتاع الديراني، فقال له المعتز: بحياتي لا تنقطع عما كنا فيه. ففرحنا ساعة ثم أمر له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015