العلاء هذا من تناء مدينة أذنة وأحد وجوهها ويظهر حب الصالحين ويداخل أهل حصن أولاس ومن يجري مجراهم، فوشى به إلى بني عبد الباقي من أفسد حاله معهم، واقتضت الصورة أن ينحاز على أذنة إلى طرسوس لأنها كانت ملجأ كل طريد وعصمة كل شريد، وكان ذا لسان وحال، فحدث زبرج الثلمي من يأنس به أن أبن العلاء هذا سأله مراراً ورغب أليه أن يجعل إفطاره عنده وأنه لما أكثر عليه استحي منه فأجابه، فقدم له طعاماً عند زبرج بمأكل منه بعيد، فنال منه زيادة على العادة من قوته وما وظفه على نفسه وجاء إلى منزله فقام إلى وردة فلم يطق القيام لغلبة النوم عليه، فنام ورأى في منامه رجلاً أسود قد تناول عصا أطول ما يكون يضرب بها زبرجاً ولا يقلع عنه ويكرر عليه، قال زبرج: فقلت يا هذا كم تضربني، ولأي ذنب تضربني؟ قال: الساعة أقول لك، فما زال ينتبه في منامه وتغلب عليه ويعود الأسود لضربه، ويسأله زبرج عن ذنبه ليتنصل منها ويعتذر إليه، فلما بلغ فيه غايةَ ما يكره وكدَّه وتعسّفه بالضرب المبرّح، قال له: يا زبرج أتأكل طعامَ ابنِ العلاء؟ هذا الضربُ لذلك. قال فقلت: فإني لا أعود، قال: إن عدتَ عدنا. فأصبح كئيباً مهموماً، واجتاز بابن أبي العلاء (?) لأنه على مدرجةِ طريقه وقد استحكم طَعَمه فيه، فعاوده يسألُ أن يفطرَ عنده، فأبى، وعاوده وسأله ورغب إليه وقبّل بين عينيه ويديه ورجليه فقال: يا هذا ما يمكنُ بعدها أن أذوق لك طعاماً، فضيق عليه موضع الاعتذار، فحدثه بما رأى في منامه، ففارقه ولم يعدْ لمثلها. وخرج زبرج عن طرسوس، وخواصُّ الناس ينظرون إليه نظرهم إلى أبي الخير صاحب التينات أو أفضل، لأن زبرجاً من القراء المجاهدين، وحصل ببيت المقدس يشار إليه ومات بها رحمة الله عليه [قال ابن العديم: أظن أن زبرجاً خرج من طرسوس إلى بيت المقدس لما استولى نقفور على طرسوس في شعبان سنة 354والله أعلم] .
- 8 - (?)
وقد صلى بأهل هذا المسجد أئمة من أهل العفاف والستر، واليقين والتقوى