يشرب إلى العتمة. فلما دخل الليل سكن الرئيس من القلق ونام، فقال الطبيب لي: قم أقر الله عينك فقد برئ واطلب شيئا نأكل، فأكلنا ونمنا عنده وهو نائم نوما طبيعيا، والطبيب يوصي كل من هناك بأن يوقضوه نصف الليل، ويعلمنا صحة قوله، فوالله لقد نام الجميع إلى السحر فلم يحسوا بشيء إلا بالعليل يصيح بأبي الحسن: يا أبا الحسن؟ بلسان ثقيل وكلام عليل؟ فوقعت البشائر، وانتبهت والطبيب، فأملى علينا مناما رآه فقال: رأيت الشريف المرتضى أبا القاسم الموسوي نقيب العلويين؟ وكان حيا في الوقت؟ وقد رثى الرئيس بقصيدة عينية لما بلغه وقوع اليأس منه لما كان في نفسه منه، وكأنه وأولاده وخلقاً عظيماً قاصدون مقابر قريش، وقد وقع في نفسي أن القيامة قد قامت، فعدلت إلى المرتضى وجلست عنده وجاءه أبو عبد الله ولده فساره بشيء فقال: هاته، ففلان منا، فأحضره جاما حلوا وأكلنا، ثم نهض فركب وقال: قدموا له ما يركب، ومضى الناس جميعهم معه حتى لم يبق غيري وأنا أطلب شيئا أركبه فما رأيته، وسمعت صائحا يصيح ورائي النجاة النجاة، فأثبتنا المنام وهنأناه بالسلامة، وخرج باكرا بنفسه إلى الدار وجلس على سرير في وسطها، وشرب ماء الشعير بيده كما قال الطبيب، إلا أنه بقي مدة لا يعرف الدار ويقول: يا أبا الحسن أي دار هذه من دورنا؟ وأنا أبين له وأشرح، وهو لا يعرف ولا يفهم ولا يتحقق. ووصلنا غدوة تلك الليلة أبو الفتح منصور بن محمد بن المقدر المتكلم النحوي الأصفهاني متعرفا لأخباره فقال له: رأيت يا سيدنا البارحة في المنام وكأني عابر إليك وأنا مشغول القلب بك إنسانا يقول لي: إلى أين تمضي؟ فقلت: إلى فلان فهو على صورة من المرض، فقال لي: قل له اكتب في تاريخك وتقويمك ولد هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، يومنا ذاك، وعاش إلى شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وتوفي بعده الجماعة التي كانت في تلك الحال من الأصدقاء والأطباء والرؤساء والكبراء والعلماء الذين كانوا متألمين له متحسرين عليه وجلين لمفارقته، وتوفي المرتضى ورثاه الرئيس أبو الحسين بقصيدة عينية.