ولوصوله مترقب متوقع، ولو وصلت منه نسخة لبلغ الجالب لها أمنيته في ربحها ونفعها، وإلى الله تعالى أرغب في نشر فضيلته الباهرة ومحاسنه الزاهرة، بجوده.

وكنت خرجت من بغداد وبدأت بلقاء مشايخ البلاد وخواصها، واستملاء ما عندهم من آثارها وعجائبها، فذكر لي أخبار مستطرفة وعجائب غريبة وأقطاع من الشعر رائقة، ولضيق الوقت وسرعة الرسول أضربت عن أكثره واقتصرت على أقله. وكنت خرجت على اسم الله تعالى وبركته مستهل شهر رمضان سنة أربعين وأربعمائة مصعداً في نهر عيسى على الأنبار، ووصلت إلى الرحبة بعد تسع عشرة رحلة، وهي مدينة طيبة وفيها من أنواع الفواكه ما لا يحصى، وبها تسعة عشر نوعاً من الأعناب، وهي متوسطة بين الأنبار وحلب وتكريت والموصل وسنجار والجزبرة، وبينها وبين قصر الرصافة مسيرة أربعة أيام. وهذا القصر يعني قصر الرصافة حصن دون دار الخلافة ببغداد مبني بالحجارة، وفيه بيعة عظيمة ظاهرها بالفص المذهب أنشأها قسطنطين بن هيلانة، وجدد الرصافة وسكنها هشام بن عبد الملك، وكان يفزع إليها من البق في شاطىء الفرات. وتحت البيعة صهريج في الأرض على مثل بناء الكنيسة معقود على أساطين الرخام مبلط بالمرمر مملوء من ماء المطر، وسكان هذا الحصن بادية أكثرهم نصارى معاشهم تخفير القوافل وجلب المتاع، والصعاليك مع اللصوص. وهذا القصر في وسط برية مستوية السطح لا يرد البصر من جوانبها إلا الأفق.

ورحلنا من الرصافة إلى حلب في أربع رحلات وهي بلد مسور بالحجر الأبيض فيه ستة أبواب، وفي جانب السور قلعة في أعلاها مسجد وكنيستان، وفي إحداهما مكان المذبح الذي كان يقرب عليه إبراهيم (عليه السلام) وفي أسفل القلعة مغارة كان يخبئ فيها غنمه، وإذا حلبها أضاف بلبنها الناس، فكانوا يقولون حلب أم لا ويسأل بعضهم بعضاً عن ذلك، فسميت حلب. وفي البلد جامع وست بيع وبيمارستان صغير، والفقهاء يفتون على مذهب الإمامية. وشرب أهل البلد من صهاريج فيه مملوءة بماء المطر، وعلى بابه نهر يعرف بقويق يمد في الشتاء وينضب في الصيف، وفي وسط البلد دار علوة صاحبة البحتري. وهو بلد قليل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015