ولا يدخل في معقول، وكان أبو محمد قد ألف ذلك منه وقد سلك مسلك الاحتمال، وكنا لا نخلو عن حديثه من التعجب والاستطراف والاستبعاد، وكان ذلك لا يزيده إلا إغراقاً في قوله وتمادياً في فعله، فلما كان في بعض الأيام جرى حديث النعنع وإلى أي حد يطول، فقال الجهني: في البلد الفلاني يتشجر حتى يعمل من خشبه السلاليم، فأغتاظ أبو الفرج الأصبهاني من ذاك وقال: نعم عجائب الدنيا كثيرة، ولا يدفع مثل هذا وليس بمستبدع، وعندي ما هو أعجب من هذا وأغرب، وهو زوج حمام راعبي يبيض في نيف وعشرين يوماً بيضتين فأنتزعهما من تحته وأضع مكانهما صنجة مائة وصنجة خمسين، فإذا انتهى مدة الحضان تفقست الصنجتان عن طست وإبريق، أو سطل وكرنيب. فعمنا الضحك وفطن الجهني لما قصده أبو الفرج من الطنز، وانقبض عن كثير مما كان يحكيه ويتسمح فيه، وإن لم يخل من الأيام من الشيء بعد الشيء منه.
- 7 - (?)
وقال غرس النعمة: كان لوالدي تاجر يعرف بأبي طالب، وكان معروفاً بالكذب، فأذكر وقد حكى في مجلسه والناس حضور عنده: أنه كان في معسكر ابن سبكتكين صاحب خراسان ببخارى معه، وقد جاء من البرد أمر عظيم جمد منه المري حتى قد وفري وعملت منه خفاف، وأن الناس كانوا ينزلون في المعسكر فلا يسمع لهم صوت ولا حديث ولا حركة، حتى ضرب الطبل في أوقات الصلوات، فإذا أصبح الناس وطالعت الشمس وحميت ذاب الكلام فسمعت الأصوات الجامدة منذ أمس من أصوات الطبول والبوقات وحديث الناس وصهيل الخيول ونهيق الحمير ورغاء الإبل.
- 8 - (?)
قال غرس النعمة، حدثني أبو سعد الماندائي قال: دخلت يوماً على