ذلك، فسأل تكين أن يأذن له في الخروج فأمتنع، فأهدى إليه وإلى خلوب أم ولده جوهراً قيمته عشرون ألف دينار، فكلمت مولاها فأذن له، فخرج إلى القلزم ثم سار إلى أيلة وإلى مدين فأقام بها. وخرج القرطي من بغداد فوقعت في رجله علة فقطعت فمات بعانة، وجاء الخبر إلى محمد بن عليّ فدخل إلى مصر أعز ما كان.
ولم يزل الإخشيد بدمشق، وولد ابنه أبو القاسم أنوجور فيها في يوم عرفة سنة تسع عشرة. وخرج الإخشيد يوماً للصيد بظاهر دمشق فرأى حماماً فأرسل عليه الجارح فأخذه، فإذا مع الحمام كتاب من غلام الراشدي إلى بعض الدمشقيين يقول فيه: قد حصل عندك تمام ثمانين ألف دينار. فانصرف الإخشيد إلى داره وأحضر الرجل وطالبه بالمال وأخذه منه، وكتب إلى غلام الراشدي عند ذلك وهرب إلى مصر. وقال الإخشيد يوماً وهو في مجلسه: بالشام طائر يقال له السدلى، يقال إنه من دار على رأسه ثلاث دورات وتمنى شيئاً بلغه، قال: فرأيته وقد دوم على رأسي ثلاث دورات، فتمنيت إمارة مصر فبلغني الله ذلك.
ولم يزل الإخشيد بدمشق مقيماً إلى أن توفي تكين بمصر وهو واليها لست عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى وعشرين، وقد كان ورد عليه قتل جعفر المقتدر فحزن لذلك وكان عليلاً، وذلك في شوال سنة عشرين وثلاثمائة، وجاءته ولاية القاهر فأعطى البيعة واستخلف ابنه محمد بن تكين، وعاش بعد المقتدر خمسة أشهر، وحمل تكين إلى الشام، وجلس ابنه محمد بن تكين، واقتتل هو ومحمد بن عليّ عامل خراج مصر وأحرقت دور محمد بن عليّ الماذرائي ودور أهله، وعظمت الفتنة، وخرج محمد بن تكين من مصر وجاءه سجل القاهر بتقليد مصر، فمنعه محمد بن عليّ.
وأرسل الإخشيد من دمشق بكاتبه عليّ بن محمد بن كلا إلى القاهر يلتمس ولاية مصر، فلم يفعل القاهر ذلك، وقال: وقد وليت محمد بن تكين. فلم يزل الأمر على ذلك إلى أن كحل القاهر، فحدثني بعض الكتاب قال: قال لي عليّ ابن محمد بن كلا: امتنع القاهر من تقليد الإخشيد، فلما كحل ركبت سراً إلى بعض كتابه وبذلت له عشرة آلاف درهم، وسألته كتاباً بأمر القاهر بتقليد الإخشيد