الليل فأجدهما قد تكشفتا فأمدّ اللحاف عليهما، قال: فقبل يده وتشكر ذلك له؟
وقال له أبو العباس يوماً، وخرج على الناس وأحبَّ أن يعرِّفَهُمْ مكانه منه: يا خالد ما أحدٌ أخص بأمير المؤمنين منك، أنت معي، وأهلك مع أهلي، وولدك مع ولدي، فشكره ودعا له، فلم يزل خالد مع أبي العباس أمير المؤمنين على تلك الحال حتى مضى أمير المؤمنين أبو العباس، واستخلف المنصور فأقرَّ خالداً على حاله ومرتبته وعلى ديوان الخراج، وكان به معجباً، فمكث بذلك عدة سنين، ثم غلب عليه أبو أيوب المورياني فثقل على أبي أيوب مكان خالد وأحبَّ أن يخلو بأبي جعفر، فكان لا يألو ما حمَّل أبا جعفر عليه إلى أن أتاهم انتقاض فارس وغلبة الأكراد عليها، فأعظم أبو جعفر ذلك وأمر أبا أيوب بارتياد رجل يصلح لها فقال: قد أصبته يا أمير المؤمنين، قال: ومن هو؟ قال: خالد بن برمك، قال صدقت، هو لها. فعقد له على فارس، فشخص إليها فافتتحها وجلا الأكراد عنها، وصلحت فارس على يدي خالد وأقام بها سنين، ودخل أليه وجوه الناس وأشرافه من الأمصار، وامتدحه الشعراء فوصلهم وحباهم وصرفهم راضين فحمدوه في سائر الأمصار وشاع ذكره بالسماحة. وسعى أبو أيوب المورياني بخالد إلى أبي جعفر فقال له ك قد اقتطع خالد من خراجك ثلاثة آلاف ألف درهم ووصل بها الناس، فأغضبه عليه، فصرف خالداً عن فارس، فلما قدم عليه ألزمه بعض ذلك المال، فدعا به بعد أن باع في أداء ذلك المال الدواب والرقيق والمتاع، فلما دخل عليه قال: أخذت مالي واجترأت عليَّ وفرقته في الناس، فقال له خالد: كل ما قال أمير المؤمنين فقد صدق، غير أني يا أمير المؤمنين اقتصرت على إنفاقي ونظرت إلى معونتي من أمير المؤمنين وما تفضل به عليَّ فصرفته إلى أشراف الناس، وتفضلت به عليهم، لأنه لم يكن شكري يحيط بنعم أمير المؤمنين عليَّ، فجمعت إلى شكري شكر هؤلاء، وذلك كله لأمير المؤمنين إذ جعل السبيل إليه وأعانني عليه، فسرّه ذلك. قال: صدقت وأحسنت، وأقرَّ الله عينك يا خالد، قد زينتنا وزينت نفسك لنا، فأنت في حِلٍ مما جرى على يدك من أموالنا، وقد رضيتُ عنك، وعظم في عينه بعد ذلك؟