ولا تأمننّ الدّهر إني أمنته ... فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقّا
قتلت صناديد الرّجال ولم أدع ... عدّوا ولم أمهل على ظنّة خلقا
وأخليت دار الملك من كلّ نازع ... فشردّتهم غربا وشرّدتهم شرقا
فلما بلغت النّجم عزّا ورفعة ... وصارت رقاب النّاس أجمع لي رقّا
رماني الرّدى سهما فأحمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى
ولم يغن عنّي ما جمعت ولم أجد ... لدى ملك الأحياء في حيّها رفقا
فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى ... أفي نعمة الله أم ناره ألقى
وذكر أيضا وصية المأمون العباسي المتوفى في (18) رجب سنة (218) [1] وها هي: «هذا ما أشهد به عليه عبد الله بن هارون أنه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له في ملكه، ولا مدبّر غيره، وأنه خالق وما سواه مخلوق، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الموت حقّ، والبعث حقّ، والحساب حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، وأن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- بلّغ عن ربّه شعائر [2] دينه، وأدى النصيحة إلى أمته، حتى توفاه الله إليه، فصلى الله عليه أفضل صلاة صلّاها على أحد من ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين، وإني مقرّ بذنبي أخاف وأرجو، إلّا أني إذ ذكرت عفو الله رجوت، فإذا أنا متّ فوجّهوني وغمّضوني، وأسبغوا وضوئي، وأجيدوا كفني، وليصلّ عليّ أقربكم مني نسبا وأكبركم سنّا، ولينزل في حفرتي أقربكم مني قرابة، وضعوني في لحدي وسدّوا عليّ باللّبن، ثم احثوا عليّ التراب، وخلّوني وعملي، فكلكم لا يغني عني شيئا، ولا يدفع عنّي مكروها، ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرا إن علمتم، وأمسكوا عن ذكر شرّ إن عرفتم. ثم قال: يا ليت عبد الله لم يكن شيئا، يا ليته لم يخلق (يعني نفسه) .
ثم قال لأخيه وولي عهده المعتصم: يا أبا إسحاق، ادن مني واتّعظ بما ترى، وخذ بسيرة أخيك واعمل في الخلافة إذا طوّقكها الله عمل المريد لله الخائف من