من البين أنَّ المتعلِّقات ليس فيما بينها ترتيب محفوظ يلزم إذا لم يكن ما يقتضي العدول عنه،إلا أن يكون المفعول به، فمن قال: أعنت محمدًا ليلة سفره بألف دينار محبة له، أو قال: أعنت محمدًا محبة له بألف دينار ليلة سفره " لايكون أحدهما هو الأصل والآخر عدولاً عنه، بل يكون في كل صورة إلاحَة إلى ما هو المهم عندك أو عنده.

كذلك في تقديم الأموال والأنفس على السبيل إنما يكون لأمر راجع إلى بيان أهمية ما يجاهد به، وتقديم السبيل إنما يكون لأمر راجع إلى بيان ما يجاهد فيه:

جاءت الآية العشرين من سورة التوبة:" الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَروا وجاهَدوا في سبيل الله بأمْوالِهم وأنْفُسِهم أعْظَمُ دَرجةً عِندَ اللهِ وأؤلئك هُمُ الفائِزُونَ) في معرض الإنكار على من جعل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كالإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله، فإن السقاية والإعمار بغير إيمان سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، فالسياق هنا لبيان أهمية أن تكون أفعالنا صادرة عن إيمان وأن تكون في سبيل الله الذي نؤمن به جلَّ جلالُه، فكان السياق مقتضيًا هنا تقديم ما يدل على أهمية أن يكون العمل مخلصًا لله رب العالمين، ومن ثم قال الله تعالى مبينًا:" لايَسْتَوُون عِنْدَ اللهِ"

وفي الآيتين (41، 81) من سورة التوبة كان التقديم للآلة (أموالكم وأنفسكم) ووجه هذا أن الآية الحادية والأربعين جاءت في سياق الإنكار والتوبيخ والتهديد والوعيد لمن تثاقل عن النِّفار في غزوة العسرة حيث الحَرُّ وبُعْدُ الشُّقَّةِ وطيب الظلال تحت الأشجار في الديار والبساتين، فرغبوا في هذه عن إنفاق أموالهم وإجهاد أنفسهم، فاقتضى السياق تقديم ما كان سببا في تثاقهم ورغبتهم عن الجهاد: الأموال ومتاع الأنفس

وفي الآية الحادية والثمانين سياق الآية وسباقها يكتنفها بما يصرح بأن النكير عليهم كراهة الجهاد بأموالهم وأنفسهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015