تجد هذا جليًا من أول قوله تعالى:" " ومِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ الله لَئِنْ آتانا مِنْ فضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ "
وتراه في صدر الآية:" فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَن يجَاهِدُوا بَأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لاتَنْفِرُوا فِي الحَرِّ "
هذا كله دالٌ دلالة بَيِّنَةً على أنَّ السِّياقَ هنا قاضٍ بأنَّ تقدُّمَ الآلة على السبيل هو العَلِيُّ بلاغة.
أمَّا تقديم الأموال على الأنفس في المواطن كلها خلا الآية الحادية عشرة بعد المئة (إن الله اشْتَرَى ... ) فإن محبة المرء لماله أكثر من محبته لنفسه وحرصه عليه أضعاف حرصه على سلامة نفسه، وإن تظاهر كثير من الناس بغير ذلك، ألا ترانا نلقى بأنفسنا في رهق الحياة الدنيا لنجمع ما فضل عن حاجاتنا إن كنا نجمعه من حلال؟ وألا ترى كثيرًا منا يلقى بنفسه في المذلة في دنياه وفي الحطمة في أخراه ـ وهو العليم بذلك ـ من أجل جمعه لأموال من حرام؟
كلنا أو جُلُّناالمال حبيب إليه أكثر من نفسه وولده
(وتُحِبُّونَ المَال حُبًّا جَمًّا) {الفجر:2.}
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) {العاديات:8}
على أن المجاهدة بالمال مجالها متسع جدًا، ويتمكن منه كثير من الناس إذا ما أخلصوا، وحاجة الجهاد إلى الأموال أكثر من حاجته إلى الأنفس، ولاسيما أن أكثر الأمة نساء، وبعض الرجال غير صالح للجهاد بنفسه لعذر شرعيٍّ، فكان هذا وجهًا آخر لتقديم المال على النفس
وكأنَّ في تقديم المال بُشرَى للأمة أن المال فيها سيفيض ويكثر في أيدى كثير منهم مما ييسر لهم المشاركة في فريضة الجهاد في سبيل الله.