" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال يوم الفتح لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا "
فهذا دالٌ دلالة بينة على أن من استنفر بدعوة إمامه، أو دعوة حال أمته ـ وإن كان إمامه متقاعسًا متثاقلا مثبطا قومه ـ أن ينفر حيث استنفره حال أمته، فلسان حالها أبلغ من ألف لسان، فهذا أوان النِّفار فريضةً لازمة على كل مسلم ومسلمة، وهذا أوان خروج المرأة المسلمة إلى الجهاد في سبيل الله بغير إذن زوجها،
وقد أطلق الحق الأمر فلم يقيده بحال كمال الاستطاعة، بل أعلن أنه فرض على كل من كان خفيفا أو ثقيلا، (خفافا وثقالا)
وهي كلمة مستعة الدلالة غير مقيدة الخفة والثقل بمجال من مجال المسلم.
يقول الطبري: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنفر لجهاد أعدائه في سبيله خفافا وثقالا
وقد يدخل في الخفاف كلّ من كان سهلاً عليه النفر لقوّة بدنه على ذلك وصحة جسمه وشبابه، ومن كان ذا تيسر بمال وفراغ من الاشتغال وقادرا على الظهر والركاب.
ويدخل في الثقال كلّ من كان بخلاف ذلك من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه، ومن معسر من المال ومشتغل بضيعة ومعاش، ومن كان لا ظهر له ولا ركاب، والشيخ وذو السنّ والعيال.
فإذ كان قد يدخل في الخفاف والثقال من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا ولم يكن الله جلّ ثناؤه خصّ من ذلك صنفا دون صنف في الكتاب، ولا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نصب على خصوصه دليلا وجب أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافا وثقالاً مع رسوله صلى الله عليه وسلم على كلّ حال من أحوال الخفة والثقل. (3.)