بلاغة الأمر في قوله تعالى:

(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً....)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما سبق من البيان القرآني الكريم فاضت منه معانى الترهيب والوعيد والتهديد على الرغبة عن النِّفار إلى الجنة: النِّفار إلى منازل العزة منازل الجهاد في سبيل الله،والإخلاد إلى متاع الحياة الدنيا.

وقد بلغ ذلك مبلغًا عظيمًا، فتهيأت القلوب التى فيها أثارة من إيمان لأن تقبل على الإغراء الإلهي لها بالمسارعة إلى جنة عرضها السموات والأرض أُعدَّت للمتقين فقال:

(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدوُا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

هذه الآية خطاب للذين آمنوا السابقِ الإنكار عليهم تَرْكَهم النِّفارَ في سبيل الله تعالى في قوله:

(يَأَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلِ لَكُمْ انفروا في سبيلِ الله ... )

وهو غير محصورٍ فيهم انحصارهم في عصرهم ومصرهم، فما نزل القرآن الكريم لطائفة من الأمة في زمان ومكان معين لايتعداهم بل هو لكل من كان مثلهم وفي سياقٍ كسياقهم زمانا ومكانًا، فنحن في زماننا هذا رجالا ونساءً، وشبيبة وشيبًا أحق من يقع عليه ذلك الخطاب، فلا يزعمنَّ زاعمٌ أنَّ هذا الأمر كان خاصًا بالصحابة في غزوة تبوك لايتعداهم، كما يذهب إليه بعض المرجفين بالفتنة فينا الداعين إلى تفسير القرآن الكريم تفسيرًا تاريخيا بحصر الأحكام التشريعية في زمان نزولها ومكانه، وتلك ضلالة مدبر لها بليل بهيم

الأمر هنا للوجوب المقتضي للتكرار عند جمهرة من أهل العلم، ولا يسقط بالنِّفار مرة واحدة في العمر، بل هو واجب كلما استنفر المسلم ولم يك ذا عذر يحجزه عن تلبية النداء ومن ثمَ جاء قوله: (خفافًا وثقالا) وقد جاء في السنة المطهرة في البخاري من كتاب "الجهاد، والصيد ":

طور بواسطة نورين ميديا © 2015