ولا يقال إن في هذا استعمالا للكلمة في أكثر من معنى من غير إعادة لها؛ لأنَّ كلمة " جعل " أو " كلمة " ستكون من الكلمات المتواطئة التى يصح أن يراد منها أكثر من معنى بقرينة السياق
والعلماء يتجاذبون وجوه القول في عُلُوِّ استعمال المشترك أو المتواطئ في معانيه، ويتجاذبون القول في استعمال الكلمة في حقيقتها ومجازها في سياق وقصد واحد، وهذه قضية متسعة قد
عرضت لها في دراسة مستقلة منشورة في طلاب العلم. (29)
ويذيل الحق عزَّ وجلَّ هذه الحقائق الإيمانية بقوله (والله عزيز
حكيم) مقررًا بهذا ما أقامه في قوله (وكلمة الله هي العليا) فإنَّ مضمون هذ الفاصلة يتلاقى مع مضمون (وكلمة الله هي العليا) وكان ظاهر الأمر ألاَّ تعطف عليها لما يسميه البلاغيون بكمال الاتصال، ولكن البيان القرآنى الكريم قد عدل عمَّا هو معهود من سنن بيان لسان العربية إلى أمرآخرأقام فيه جملة (الله عزيز حكيم) مقام جملة جديدة قد فاضت بفيض من المعانى المتجددة التى لم تكن في التى قبلها، وكأنَّه يَلْفُتُنَا بهذا العطف إلى أن نقف على ما تضمنته هذه الجملة التذييلية من معانى طريفة، فذلك شأن الجمل القرآنية لاتتكرر معانيها بل هي إلى التصريف البياني، وهذه السنة البيانية: سنة التصريف قد هدى إليها القرآن الكريم بقوله:
" وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآن لِيَذَّكَّرُوا " {الإسراء: 41}
"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلاَّ كُفُورًا " {الإسراء: 89}
"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً " {الكهف: 54}
.......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) ينظر كتابي: اشكالية الدجمع بين الحقيقة والمجاز في ضوء البيان القرآني - نشر مكتبة وهبة ـ القاهرة.