وفي نعت الجند بأنهم (لم يروها) دلالة على أنها من اللطف بمكان عظيم، وأنَّ أسباب نصر الله لعباده المؤمنين ومن قبلهم نبيه الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليست بمحصورة فيما تدركه حواسُّ العباد أو تستشعره قلوبهم، ومن ثمَّ سَلَّطَ النَّفيَ على فعل الرؤية (لم تروها) وليس على فعل النظر أو البصر، فإن في الرؤية إدراكًا لما كان غير محسوس، فدلَّ على أنَّ من جند الله عزَّ وعلا ما يفتقر المرء لإدراكه إلى اقتدار على الرؤية المتجاوزة منزلة النظر بل منزلة البصر. فكم مِنْ ناظرٍ غير مبصِرٍ، وكَمْ من مبصِرٍ غير راءٍ.

وثلَّثَ صورَ النصرِ المُعْجِزِ بقوله (جعل كلمة الذين كفروا السفلى)

وأهل العلم يُفَسِّرُ بعضهم " كلمة الذين كفروا " بأنها كلمة الشرك، أو ما قرروه من الكيد به ليقتلوه،أو قولهم في الحرب: يالبني فلان، ويالفلان أو اعلُ هبل (25)

والأعلى أنَّه كَنَّى بالكلمة عن كل أمر من أمورهم الحسية والمعنوية فكل أمر الذين كفروا جعله الله تعالى الأسفل الذي ليس أسفل منه، وفي اصطفاء فعل (الجعل) جمعٌ لعديد من الدَِّلالات التى يأتى لها ذلك الفعل، فهو متسع الدَِّلالة

وقد أنبأنا " الراغب الأصفهاني" في " المفردات " أنَّه لفظ عام في الأفعال كلها، فهو أعَمُّ من فعل وعمل وصنع وسائر ما يجري مَجراها، وذهب إلى أن دلالته على خمسة وجوه، قد أشرت إليها في مبحث:"المعجم: الصورة الدلالة "

فهذا الجعل من الله تعالى جدُّه لكلمة الذين كفروا السفلى متحقق فيه كافة الدلالات للجعل، وهومن الإبلاغ في تصور حال السفول لكلمة الذين كفروا، وهو أيضًا من البشرى لكل مسلم مقبل على النِّفار إلى الجهاد في سبيل الله عز وجلَّ، وتسفيه لكل معرض عن النِّفار إلى الجنة، فليس إسفال كلمة الذين كفروا بحاجة إلى نِفارهم إلى الجهاد في سبيل الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015