والأحاديث دالة على أن هذا القول كان في طريقهما إلى المدينة النبوية، إلا إن قيل إنَّ ذلك القول بِعَيْنِهِ قد تكرَّر في الموضعين، ولا دليل على ذلك التكرير.

الذي كان في الغار قوله:" ما ظَنُّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما " وليس (لاتحزن إن الله معنا) ، وفرق غير خفِيِّ بين القولين

جاء في صحيح البخاري من باب فضائل المهاجرين " عن أنسٍ عن أبي بكر رضي الله عنه قال:

قلت للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأنا في الغار: لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا.

فقال: ما ظنك ياأبابكر باثنين الله ثالثهما "

وكأنى بما اشتهر في كتب السير إنما هو من تداخل الروايات عندهم والأعلى تحرير مقال كل موطن.

وفي قوله (إنَّ الله معنا) توكيد اقتضاه جلال المقام، ولم يقتضِه مثقال ذرة من الشك أو ما دونه في حال " الصديق " رضي الله عنه فهو أجلُّ من أن يفتقر في أحرج المواطن إلى أن يؤكد له الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ما يخبره به

أليس هو القائل في شأن الإسراء وقد أخبر به: "إن كان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قد قال فقد صدق ".

كلمة لاينطقها إلا لسان الصديق في مثل هذا المقام.

التأكيد هنا كمثل التأكيد في خطاب الله تعالى جدُّه لرسوله صلى الله عليه وآله صحبه وسلم في بعض مواطن البيان القرآني الكريم يقتضيه حال المعنى والغرض وجلال المقام

كم من معنى لايكون المخاطب به إلا خالى الذهن كما يقول البلاغيون، ولكن لجلاله وجلال مقامه وعلو منزلته وأهميته يأتى تأكيده بكثير من المؤكدات، فمسالك التأكيد ومقتضِياته في القرآن الكريم ميدان تدبر وسيع فسيح لايكاد يُحاط به، وما هو بَيْنَ أيدينا منه في أسفار البلاغيين والمفسرين إن هو إلا نزير من كثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015