فقلتُ: يارسولَ الله هذا الطلب قد لحقنا

فقال:" لاتحزن إنَّ الله معنا حتى إذا دَنَا مِنَّا، فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة قال: قلت: يارسول الله هذا الطلب قدلحقنا وبكيتُ.

قال: لم تبكى؟ قال: قلتُ: أما والله ما على نفسي أبكي، ولكن أبكي عليك...." {مسند أحمد ج1ص2}

لعل البيان بكلمة " لاتحزن" ناظر إلى ما قام في صدر الصديق من أنه حَسِبَ أنَّه قصَّر في الاحتياط لسلامة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فيسلك به ما لايكون لأحد أن يتوهم أنهما سالكاه من الطرق، فلا يلقاهما ما لقيهما، فحزنه على حسبانه التقصير في ما فاته من الاحتياط، فهو هَمٌّ لما انقضى من الأمر، فَدَلَّه الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى أنَّ الأمر ليس بالمْوكُولِ إلى اجتهاده في الحيطة حتى يلوم نفسه ويحزن بل الأمر كله لله رب العالمين وهو معهما، فلايحزن على ما حسبه تقصيرًا منه في الوفاء بحق كمال الحيطة. ذلك وجه وأخر:

أنَّه نظرإلى مَآلِ الحال وليس إلى مبدئه: مبدأُ الحال خوف مما قد يلحق نبي الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من الأذى إذا ما لحقهما الطلب، وهذا يورث حزنا على ماينزل به، ومن ثَمَّ كان البكاء كما في رواية " الإمام أحمد ".

وأنت ترى أنَّ قول نبي الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه:" لاتحزن إنَّ الله معنا " لم يكن وهو في الغار كما جاء في كتب السير والتفاسير بل كان من بعد ذلك،

وهذا مايدل عليه البيان القرآني الكريم إذ يقول:

" إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين"

" إذ هما في الغار "

" إذ يقول لصاحبه لاتحزن إنَّ الله معنا "

فهذه أوقات ثلاثة كان في كلِّ واحدة منها نصر معجز لنبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

ومن ثَمَّ، فإنِّي لاآخُذُ بما قال به بعض المفسرين وأصحاب السِّيَرِ من أن هذا القول (لاتحزن ... ) كان في الغار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015