وفي " التعديد" المستغْنِي عن الربط بحرف نسق دلالة على أنَّ ما عُدِّدَ ليس متغايرًا في حقيقة النصر الذي كان في كلٍّ، بل هو من معدن واحد، وإن اختلفت صورُه، وزمان كُلٍّ، وهذا ما يتناسب ويتآخى مع السياق والقصد المنصوب له الكلام، وهو الإبانة عن أن تثاقل المتثاقلين لن يضر دين الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فهو غير مفتقر إلى مناصرتهم، بل هو المستغنى عنهم بنصر ربه تعالى له، وأنَّ المتثاقلين إنما بأنفسهم وحدها يلحقون الضُّرَّ المُقِيت.
وقوله:" لاتحزن " جملة طلبية يُثَبِّتُ بها النبيُّ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قلبَ صاحبه الصديق رضي الله عنه الذي ما كان حزنه لنفسه بل على أمرٍ متعلِّق برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
لِنَنْظُرْ: أمقتضى الظاهر أن يقول له:لاتخف أم لاتحزن؟
بين الخوف والحزن فرق:
الخوف هَمٌّ يأخذ القلب من أمر متوقع لم يأت ولايعلم شأنه
والحزن هَمٌّ يأخذ القلب من أمر قد مضى أمره
فالمرء يحزن على مافاته، ويخاف مما يستقبله، فظاهر الحال أن يقول له: لاتخف، فإنه كان يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من أن يأخذه الطلب
جاء في البخاري من كتاب " المناقب" ومسلم من كتاب الزهد في باب حديث الهجرة:
"..... ثُمَّ قال:" ألمْ يأْنِ الرحيلُ؟ قلتُ: بلى. قال: فارتحلنا بعد ما زالتِ الشمسُ،واتَّبَعنَا سراقةُ بنُ مالكٍ. قال ونحن في جَلَدٍ من الأرضِ. فقلتُ: يارسول الله! أُتِينَا. فقال:" لاتحزن إنَّ الله معنا " فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فارتطمت فرسُه إلى بطنها...."
وفي رواية للبخاري:" ... فقلت هذا الطلب قد لحقنا يارسول الله. فقال:" لاتحزن إنَّ الله معنا " (ح. ر: 3652)
وفي رواية لأحمد:" ... قال: فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جشعم على فرس له