وفي قوله:" ثانى اثنين" بيان للحال، وإشارة إلى أن ذلك النصر المؤزرلم يكن بسبب من كثرة عدد أو عدَّة معهودة في النَّاس بل ذلك من الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه ولو كره الكافرون، فهذه الحال (ثاني اثنين) ناظرة إلى الآية الثالثة والثلاثين.
وفي قوله (ثاني اثنين) عظيم تكريم لأبي بكر الصديق ليس لأحد من الأمة مثله، فكفاه فخرًا أن جعل الله تعالى جدُّه نبيه ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ثانيه
فالعدول عن " أول اثنين " أو أحد اثنين" إلى " ثانى اثنين" فيه من بعد تكريم " الصديق " رضي الله عنه إغراء للصحابة أن يكونوا معه فذلك شرفهم، وتحريضٌ لمن أَخْلَدَ إلى الأرضِ، وأَعْرَضَ عن النِّفارإلى الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فمن فقه معنى التكريم للصديق رضي الله عنه بقوله تعالى " ثانى اثنين " لايعدل بصحبة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أو بسنته شيئا أبدًا
وقد جاء في السنَّة أنه رضي الله عنه سيكون صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على الحوض يوم القيامة، وكأنه جزاءٌ له على ما كان من صحبته له في الغار، فإنَّ الرواية لتجمع بينهما:
روى الترمزي في كتاب المناقب من جامعه بسنده عن " ابن عمر":" انَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال لأبي بكر:" أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ وصاحبِي في الغار" {ح. ر:367.}
وجاء قوله " إذ هما في الغار " غير معطوف على ما قبله لأنه بدل عند جمهور أهل العلم. يقول " ابن جنى ":
"فإن قلت: فإنَّ وقتَ إخراجِ الّذينَ كفرُوا له قبلَ حصولِه صلى الله عليه وآله وسلم في الغار، فكيف يُبْدلُ منه، وليس هو هو، ولا هو أيضًا بعضَه، ولا هو ايضًا من بدل الاشتمال، ومعاذ الله أن يكون من بدل الغلط.
قيل: إذا تقاربَ الزَّمانان وضع أحدهما موضع صاحبه.