وكأنِّي أستشعر من البيان بقوله " الذين كفروا " تهديدًا وتحذيرًا لمن تقاعس وتثاقل فلم يرغب في النِّفار إلى الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بأنَّ في موقفه هذا شائبة كفر أي تغطية لما يعلم من شأن الداعي له إلى جنة عرضها السموات والأرض وتغطية لما يوقن به أنه العَلِىُّ الأعظم مما يرغب فيه من متاع الحياة الدنيا، فكأنَّه بهذا قد شاكه وضارع بعضًا مما فعل أهل مكة برسول الله صلى الله علي وآله وصحبه وسلَّم، وتلك التى ينخلع منها قلب كل مسلم مُعافَى.
ولم يذكر البيان القرآني الكريم ما أخرج منه، فلم يقل: أخرجه الذين كفروا من أم القرى مثلا، لأنَّ ذلك كالمتعين الذي لايغيب عن عقل، وكأنَّ في هذا أيضًا إلاحَةً إلى أن ما أُخْرِجَ منه: "أم القرى" هو عنده الأرض كلها فهم بهذا كأنهم أخرجوه من الأرض كلها وفي هذا تفظيع لما اقترفوا،وبيان لما لحق به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من الأذى بذلك الإخراج.
وفي هذا عبرة لنا أنَّ أخراج أبناء صهيون والصليبيين والملحدين الآن إخواننا المسلمين من أوطانهم فيه من الأذى ما فيه وإن أخرجوا على متن المتاع والتكريم، فكيف وقد أخرجوا من ديارهم ممزقة أعراضهم مسفوحة دماؤهم منهوبة أموالهم مسحوقة كرامتهم.
وإذا ما كان سيدنا " عمر بن الخطاب " رضي الله عنه يستحث الناس على أن يعلموا رجالهم سورة "التوبة" ونساءهم سورة "النور"، فإننا في زماننا هذا أحوج ما نكون إلى ان نعلم أبناءنا سورة "التوبة" وسورة "محمد" وسورة "الممتحنة " رجالا ونساء، فإننا لمفتقرون افتقارًا جَدَّ عظيم إلى أنْ نَعِىَ بعضًا مما تهدي إليه هذه السور الثلاث: سور الانتصار لعزة الإسلام والمسلمين، ولعلَّ الله عز وجلَّ يعين على حسن فقه تلك السور يومًا.