أمَّا تقديم النفس على المال في " إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم......." فوجهه أن هذه الآية جاءت لبيان وجه البسط في كشف أستار المنافقين والمتثاقلين عن الجهاد في سبيل الله تعالى وأنَّهم إِنَّما نُدِبُوا إلى القيام بالوفاء بالمبايعة التى بايعوا الله عز وجل عليها وأنها مبايعة كان المشترِي فيها مشتريًا ما كان هو المانحه لمن يشترى منه، فاعجب لمشْتَرٍ يشترى ما وهب مِمَّنْ وهب، لما كانت النفوس هي التى يتجلى فيها كمال الهبة وانتفاء أن يكون للمرء دخل في اكتسابها قدمت على المال الذي قد تظن بعض النفوس أن لها في اكتسابه دخلا عظيمًا، وذلك شأن السائرين على سنن قارون القائل: " إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي" {القصص: 78}
فاقتضَي المقام كما ترى تقديم ما كان أقوى في تصوير فضل الله على المؤمنين باشتراء ما وهبه وحده لهم بأنَّ لهم الجنة، وبرغم من هذا يبخل علىأنْفًسِهِم المتثاقلون أن يقدموا ما وُهِبُوا في سبيل الله عزَّ وجلَّ ليفوزوا بهبة هى أعلى وأعظم:
" وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (آل عمران: 18.)
" هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَن يَبْخَلُ ومَن يبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوا يسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لايَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ " {محمد: 38}
.....