وعبادة الله تتمثل في كل حركة من حركات الإنسان الإيجابية البناءة لإعمار الكون، وتحقيق كلمة الله في الأرض، وتطبيق منهجه في الحياة، كما تتمثل في شعور العبودية لله الواحد القهار، يستقر في ضمير المسلم، ويكون منطلقه في أعماله كلها، بحيث يبتغي بها وجه الله، وبذلك تكون أعمال المسلم عبادة كاداء الشعائر، ما دامت نيته في حركته كلها أنه يعمل في سبيل الله.
إن أجل الأعمال التعبدية التي يقوم بها المسلم الحق هو العمل على تحكيم شرع الله في الأرض، وتطبيق منهجه في الحياة، بحيث يحكم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.
وإن المسلم الصادق ليشعر أن عبادته تبقى ناقصة، إذا هو لم يبذل جهده لتحقيق الهدف الكبير الذي خلق الله الجن والإنس من أجله، ألا وهو إعلاء كلمة الله في الأرض، الذي به وحده تتحقق عبادة البشر لله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (?)، وبه وحده يتحقق معنى ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) في واقع الحياة.
ومن هذه الرؤية الراشدة والتصور الواعي لحقيقة العبادة في الإسلام، لا يستطيع المسلم إلا أن يكون صاحب رسالة في هذه الحياة، هي أن يكون الحكم لله وحده في شتى شؤون الحياة، لا يكمل إسلامه إلا بحملها، ولا تتحقق عبادته لربه إلا بالعمل الجاد الدائب المخلص على تحقيقها في واقع الحياة، وهذه الرسالة هي التي تعطي للمسلم هوية الآنتساب الصحيح للإسلام، وهي وحدها التي تدخله في زمرة المسلمين المجاهدين الصادقين، وهى التي تجعل الحياة في نظره ذات معنى، يليق بخلافة الإنسان في الأرض، إذ يفسر له علة وجوده في هذه الحياة، وتفضيل الله إياه على كثير ممن خلق: