والمتفيهقون. قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: ((المتكبرون)) (?).

كان الصحابة رضوان الله عليهم يسمعون هذا التوجيه الخلقي العالي من الرسول الكريم، ويرون بأعينهم الخلق الرفيع الذي كان يعامل به الناس، فيعملون بقوله، ويتأسون بفعله، وبذلك قام مجتمعهم الأمثل الذي ما داناه مجتمع في تاريخ الإنسان.

يقول أنس رضي الله عنه:

((كان النبي رحيما، وكان لا يأتيه أحد إلا وعده، وأنجز له إن كان عنده. وأقيمت الصلاة، وجاءه أعرابى فأخذ بثوبه فقال: إنما بقي من حاجتي يسيرة، وأخاف أنساها، فقام معه حتى فرغ من حاجته، ثم أقبل فصلى)) (?).

لم يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرجا في أن يستمع إلى الأعرابي ويقضي حاجته، وقد أقيمت الصلاة، ولم يضق صدره بذاك الأعرابي الذي أخذ بثوبه، وأصر على قضاء حاجته قبل الصلاة، لأنه، صلوات الله عليه، كان يبني مجتمع الأخلاق، ويعلم المسلمين بفعله كيف يجب أن يعامل المسلم أخاه الإنسان، ويقرر لهم المبدأ الخلقي الذي ينبغي أن يسود مجتمع المسلمين.

وإذا كان حسن الخلق عند غير المسلمين يرجع إلى حسن التربية وسلامة التنشئة ورقي التعليم، فإن حسن الخلق عند المسلمين يعود قبل هذا كله إلى هدي الدين الذي جعل الخلق سجية أصيلة في الإنسان المسلم، ترفع من منزلته في الدنيا، وترجح كفة ميزانه في الآخرة، إذ ما من عمل أثقل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015