والمسلم الصدوق الذي بلغ هذه المرتبة الرفيعة لا يغش ولا يخدع ولا يغدر؛ ذلك أن مقتضى الصدق النصيحة والصفاء والإنصاف والوفاء، لا الغش والخديعة والمخاتلة والإجحاف والغدر.
إن وجدان المسلم المرهف الصادق لا يطيق الغش ولا يصبر عليه، بل إنه ليرتجف هلعا منه، إذ يرى في ارتكابه انخلاعا من الانتساب للإسلام، يقرره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم:
((من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا)).
وفي رواية لمسلم أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على صبرة (?) طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال:
((ما هذا يا صاحب الطعام؟)) قال: أصابته السماء (?) يا رسول الله، قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس! من غش فليس مني)).
إن مجتمع المسلمين مجتمع يعمره الحب، وتسوده النصيحة، ويغلب على أفراده البر والصدق والوفاء، ومن هنا لا مكان فيه لغشاش مخادع مخاتل مراوغ كفور غدار.
ولقد اشتد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتنديد بالغش والخديعة والغدر، فلم يكتف بنبذ الغشاش الغدار، ورميه بعيدا عن مجتمع المسلمين في الدنيا، بل أعلن أن كل غادر سيحشر يوم القيامة، وهو يحمل لواء غدرته، والمنادي ينادي في ساحة العرض الكبير، دالا عليه، لافتا إلى غدرته الأنظار، وذلك في قوله: