ولا يغيب عنه أن يتعهد جيرانه المعسرين كلما انبعثت روائح الطبخ والشواء من منزله، ويعز عليه أن يتأذى جيرانه المملقون من روائح قدره أو شوائه، فتثور في نفوسهم الشهوة إلى الطعام، وهم غير قادرين على تحصيله، وقد يكون بينهم الصغير القاصر، واليتيم البائس، والأرملة المسكينة، والشيخ العاجز، ذلك أن المسلم الحق متيقظ دوما إلى روح التكافل الاجتماعي التي غرسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفوس المسلمين إذ قال في حديثه لأبي ذر:
((يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك)) (?). وفي رواية: ((إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف)) (?).
إن المسلم الصادق لا يحتمل وجدانه المرهف أن يكون جاره في ضيق
وفاقة وعسر، وهو في بحبوحة من العيش، منعم، مرفه. وكيف يحتمل وجدانه الذي أرهفه الإسلام هذه المفارقة بينه وبين جاره، وهو يسمع قول الرسول الكريم:
((ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم)) (?).
وقوله: ((ليس المؤمن الذي يشبع، وجاره جائع)) (?).
من هنا ندرك أن الشقاء الذي حاق بالإنسانية في كل مكان، إنما كان بسبب غياب المسلم الحق عن مسرح الحياة الموجهة، وتواري مبادئ