وإننا لواجدون مصداق ذلك في سلوك الطفل، إذ يقف بين يدي والديه، فيجهد نفسه في إثبات صلاحه واستقامة سلوكه وفضله على أخيه، ويحرص كل الحرص على تعرية أخيه من تلك الفضائل التي حلى جيده بها، وهو في ذلك يود أن يحقق ذاته، ويؤكد ميله الفطري إلى التغلب على أخيه والتفوق عليه في كل شيء.
وهذه الخليقة في الإنسان طبيعة فطرية، بها قوام الإنسان وصلاح أمر الدنيا، ما دامت سوية معتدلة؛ ذلك أنها تدفع الإنسان إلى استخراج أعمق وأحسن ما فيه من خير، وهو، إذ ينسب هذا الخير إلى ذاته، ينعم بشعور الرضا يغمر أرجاء نفسه، فيذا هو يندفع قذمأ إلى المزيد من العطاء.
على أن هذه الخليقة إذا تضخمت لدى المرء، وغالى الإنسان فيها، انقلبت إلى علة مرضية خطيرة كريهة، إذ يبرز الإنسان المصاب بها مغرورا دعيا، يتيه عجبا على أقرانه، وإنه لأبعد ما يكون عما يدعيه لنفسه من فضائل ومكرمات.
وهنا تبرز قيمة الدين والتربية والأخلاق في كبح جماح المريض بهذه العلة، والكفكفة من غلواء إعجابه بنفسه، وتسديد خطوه نحو الاعتدال والتعقل والتواضع.
والدين هو النبع الثر الدافق لكل فضيلة ومكرمة في هذه الحياة، وما احتوته مبادئ التربية ونصت عليه أصول الأخلاق، من قيم رفيعة، وعادات حسنة، وسلوك قويم، إنما تحدر إلى الإنسانية عبر القرون من ذلك المعين الإلهي المغدق الفياض.
والذي يبدو واضحا في حياة البشر أنهم أدنى إلى الهبوط والتفلت منهم
إلى الصعود والتماسك؛ إذ الهبوط دوما أسهل من الصعود، والتفلت أشهى