وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ: أُنشِئْت نِظَامِيَّةُ بَغْدَاد وَسلطنَ أَلب آرسلاَن ابْنه مَلِكْشَاه وَجَعَله وَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَارَ إِلَيْهِ مُسْلِمُ بنُ قُرَيْش بن بَدْرَان صَاحِب المَوْصِل فَأَقطعه هِيت وَحَرْبَا وَبنُوا عَلَى قَبْر أَبِي حَنِيْفَةَ قُبَّة عَظِيْمَة.
وَفِي سَنَةِ "461": احْتَرَقَ جَامِعُ دِمَشْق كُلُّه وَدَارُ السّلطنَة الَّتِي بِالخَضْرَاء وَذَهَبت مَحَاسِنُ الجَامِع وَزخرفتُهُ الَّتِي تُضرب بِهَا الأَمثَال مِنْ حَربٍ وَقَعَ بَيْنَ جَيْش مِصْر وَجَيْش العِرَاق.
وَفِي سَنَةِ "62": أَقْبَل طَاغِيَةُ الرُّوْم فِي جَيْش لَجِبٍ حَتَّى أَنَاخَ بِمَنْبِج فَاسْتبَاحهَا وَأَسرع الكَرَّةَ لِلغلاَءِ أُبيع فِي عَسْكَرِهِ رطلُ الْخبز بدِيْنَار وَكَانَ بِمِصْرَ الغلاَءُ الْمُفرط وَهِيَ النوبَة الَّتِي قَالَ فِيْهَا صَاحِبُ المرَآة: فَخَرَجتِ امْرَأَة بِالقَاهِرَةِ بِيَدِهَا مُدُّ جَوْهَرٍ فَقَالَتْ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِمُدِّ قَمْحٍ؟ فَمَا الْتَفَت إِلَيْهَا أَحَد فَرمته وَقَالَتْ: مَا نَفعنِي وَقتَ الحَاجَة فَلاَ أُرِيْدُهُ. فَمَا كَانَ لَهُ مَنْ يَأْخُذُه وَكَادَ الخرَابُ أَنْ يَشمَلَ الإِقْلِيْم حَتَّى بِيعَ كلبٌ بِخَمْسَةِ دَنَانِيْر وَالهرُّ بِثَلاَثَة وَبلغ ثمن الإِرْدَبِّ مائَةَ دِيْنَارٍ وَأَكل النَّاسُ بَعْضهم بَعْضاً وَتَشَتَّتَ أَهْل مِصْرَ فِي البِلاَد.
وَفِي سَنَةِ "63": كَانَتِ المَلْحَمَة العُظْمَى بَيْنَ الإِسْلاَم وَالنَّصَارَى.
قَالَ ابن الأثير: خرج أرمانوس في مائةي أَلف وَقصد الإِسْلاَم وَوصل إِلَى بلاَد خِلاَط. وَكَانَ السُّلْطَان أَلب آرسلاَن بخُوَيّ فَبَلَغَهُ كَثْرَةُ العَدُوّ وَهُوَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف فَارِس فقال: أنا ألتقيهم فإن سلمت فَبنعمَةِ الله وَإِن قُتلت فَمَلِكْشَاه وَلِيُّ عَهْدي. فَوَقَعت طلاَئِعُهُ عَلَى طلاَئِعِهِم فَانْكَسَرَ العَدُوُّ وَأُسِرَ مُقَدَّمُهُم فَلَمَّا التَّقَى الجمعَان؛ بَعَثَ السُّلْطَانُ يَطلب الهُدْنَةَ فَقَالَ أَرمَانوس: لاَ هُدْنَة إلَّا بِبذلِ الرَّيِّ. فَانزعج السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ إِمَامُهُ أَبُو نَصْرٍ: إِنَّك تُقَاتلُ عَنْ، دينٍ وَعَدَ اللهُ بِنصرِهِ وَإِظهَارِهِ عَلَى الأَديَان فَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ الله قَدْ كتب باسمِكَ هَذَا الفَتْحَ وَالْقهم يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالسَّاعَةَ يَكُوْن الخُطَبَاءُ عَلَى المَنَابِر يَدعُوْنَ لِلمُجَاهِدينَ فَصَلَّى بِهِ وَبَكَى السُّلْطَان وَبَكَى النَّاسُ وَدَعَا وَأَمَّنُوا وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصرفَ فَلينصرف فَمَا ثَمَّ سُلْطَانٌ يَأْمرُ وَلاَ يَنَهَى وَرَمَى القوسَ وَسلَّ السَّيْفَ وَعَقَدَ بِيَدِهِ ذَنَبَ فَرسِهِ وَفَعَلَ الجُنْدُ كَذَلِكَ وَلَبِسَ البيَاضَ وَتحنَّط وَقَالَ: إِن قُتلتُ فَهَذَا كَفَنِي. ثُمَّ حَمَلَ فَلَمَّا لاَطخ العَدُوّ تَرَجَّل وَعَفَّر وَجهَهُ فِي التُّرَاب وَأَكْثَر التَّضَرُّع ثُمَّ ركب وَحصل المُسْلِمُوْنَ فِي الْوسط فَقتلُوا فِي الرُّوْم كَيْفَ شَاؤُوا وَنَزَلَ النَّصْرُ وَتطَايرت الرُّؤُوسُ وَأُسَرَ مَلِكُ الرُّوْم وَأُحضر بَيْنَ يَدي السُّلْطَان فَضَرَبَه بِالمِقْرَعَة وَقَالَ: أَلَمْ أَسَأَلك الهُدْنَة؟ قَالَ: لاَ تَوَبِّخْ وَافعل مَا تُرِيْد. قَالَ: مَا كُنْتَ تَفْعَلُ لَوْ أَسَرْتَنِي؟ قَالَ: أَفْعَلُ القَبيح. قَالَ: فَمَا تظن