بِي؟ قَالَ: تَقتُلُنِي أَوْ تُشَهِّرنِي فِي بلاَدك وَالثَّالِثَةُ بعيدَةٌ أَنْ تَعفوَ وَتَأْخَذَ الأَمْوَالَ. قَالَ: مَا عَزَمْتُ عَلَى غَيْرهَا. فَفَكَّ نَفْسَهُ بِأَلفِ أَلفِ دِيْنَار وَخَمْس مائَة أَلْفِ دِيْنَار وَبِكُلِّ أَسيرٍ فِي مَمْلَكَته، فَنَزَّله فِي خيمَةٍ، وَخلعَ عَلَيْهِ، وَبَعَثَ لَهُ عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَار يَتَجَهَّز بِهَا، وَأَطلق لَهُ عِدَّة بَطَارِقَة، وَهَادَنَهُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَشيَّعه، وَأَمَّا جَيْشُهُ فَمَلَّكُوا مِيخَائِيْل. وَمَضَى أَرمَانوس فَبَلَغَهُ ذهَابُ مُلْكِهِ فَتَرَهَّب وَلَبِسَ الصُّوف وَجَمَعَ مَا قدر عَلَيْهِ مِنَ الذَّهب فَكَانَ نَحْو ثَلاَثَ مائَة أَلْف دِيْنَار، فَبَعَثَهَا، وَاعْتَذَرَ.
وَفِيْهَا تَمَلَّكَ الشَّام أَتْسِز الخُوَارِزْمِي، وَبدَّع وَأَفسد، وَعثَّر الرَّعِيَّة.
وَفِي سَنَةِ "65": قُتل السُّلْطَان أَلب آرسلاَن. وَفِيْهَا اخْتَلَفَ جَيْشُ مِصْر وَتحَاربُوا مَرَّات وَقَوِيَتِ الأَترَاكُ وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنْ عرب مِصْر وَاضمحَلَّ دَسْتُ المُسْتنصر وَذَاق ذُلاًّ وَحَاجَة وَبَالَغَ فِي إِهَانته نَاصِرُ الدَّوْلَة الحَمْدَانِي وَعظُمَ وَجَرَتْ أُمُوْرٌ مُزعجَة.
وَفِي سَنَةِ "66": غَرِقَتْ بَغْدَاد وَأُقيمت الجُمُعَةُ فِي السُّفن مرَّتين وَهَلَكَ خَلْقٌ لاَ يُحصَوْنَ حَتَّى لقيل: إِنَّ المَاء بلغَ ثَلاَثِيْنَ ذرَاعاً. حَتَّى لقَالَ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيّ: وَانهدمت مائَةُ أَلْفِ دَار وَبقيت بَغْدَادُ مَلَقَةً وَاحِدَة.
وَفِي سَنَةِ "67": بَعَثَ المُسْتنصر إِلَى سَاحل الشَّام إِلَى بدر الجمَالِي ليُغِيثه فَسَارَ مِنْ عَكَّا فِي البَحْر زَمَن الشِّتَاء وَخَاطر وَهجم مِصْر بغتَةً وَسَمَّاهُ المُسْتنصر أَمِيْر الجُيُوْش فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ بَعَثَ إِلَى كُلّ أَمِيْر مِنْ أَعْيَانِ الأُمَرَاء طَائِفَةً أَتوهُ بِرَأْسِهِ وَأَخَذَ أَمْوَالَهم إِلَى قصر المُسْتنصر وَأَضَاءت حَالُه وَسَارَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة فَحَاصَرَهَا مُدَّةً وَأَخَذَهَا وَقُتِلَ طَائِفَةً اسْتولُوا وَسَارَ إِلَى دمِيَاط فَفَعَل كَذَلِكَ وَسَارَ إِلَى الصّعيدِ فَقَتَلَ بِهِ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّام اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً وَنهب وَبدَّع فَتَجْمَّعُوا لَهُ بِالصعيد فِي سِتِّيْنَ أَلْفاً مِنْ بَيْنِ فَارِس وَرَاجل فَبَيَّتَهم ليلاً فَهَزمَهُم وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْر وَغَرِقَ مِثْلُهُم وَغُنِمَتْ أَمْوَالهُم. ثُمَّ التَقَوا ثَانِيَةً وَنُصِرَ عَلَيْهِم وَوَقَعَ بِبَغْدَادَ حَرِيْقٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وذهب الأموال.
وَمَاتَ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ: فِي شَعْبَانَ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَبَايَعُوا حَفِيْدَهُ، فَنذكُرُه استطرادًا.