وَبَيْنَ الغُزِّ عَلَى المُلك وَحَاصَرَ المَلِكُ الرَّحِيْم وَالبسَاسيرِيُّ البَصْرَةَ وَأَخَذَهَا مِنْ وَلد أَبِي كَالَيْجَار ثُمَّ اسْتولَى عَسْكَرُ المَلكِ الرَّحِيْم عَلَى شيرَاز بَعْد حِصَارٍ طَوِيْل وَقَحْطٍ وَبلاَء حَتَّى قِيْلَ: لَمْ يَبْقَ فِيْهَا إلَّا نَحْو أَلف نَفْس وَدَورُ سُورِهَا اثْنَا عَشرَ أَلف ذِرَاع وَلَهَا أَحَدَ عشرَ بَاباً.
وَفِي سَنَةِ "447": قبض طُغْرُلْبَك عَلَى الْملك الرَّحِيْم وَانقضتْ أَيَّامُ بنِي بُويه وَكَانَ فِيْهَا دُخُوْلُ طُغْرُلْبَك بَغْدَاد وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً بَيْنَ يَدَيْهِ ثَمَانِيَةَ عشرَ فِيلاً مُظهِراً أَنَّهُ يَحُجُّ وَيَغزو الشَّام وَمِصْر وَيُزِيلُ الدَّوْلَة العبيدية. ومات ذخيرَةُ الدِّين مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْفَةِ وَلِيُّ عهد أَبِيْهِ وَخلَّف وَلداً طِفْلاً وَهُوَ المُقتدي وَعَاثت جيوشُ طُغْرُلْبَك بِالقُرَى بِحَيْثُ لأُبِيعَ الثَّوْرُ بِعَشْرَةِ درَاهم وَالحِمَارُ بدِرْهَمَيْنِ. وَوَقَعَتِ الفِتْنَةُ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الحنَابلَة وَالشَّافِعِيَّة. وَتَزَوَّجَ الخَلِيْفَةُ بِبنت طُغْرُلْبَك عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ: مبدَأُ فِتْنَة البسَاسيرِي، وَخَطَبَ بِالكُوْفَةِ وَوَاسط وَبَعْضِ القرَى لِلمُسْتنصر العُبيدي وَكَانَ القَحْطُ عَظِيْماً بِمِصْرَ وَبَالأَنْدَلُس وَمَا عُهِدَ قَحْطٌ وَلاَ وَبَاءٌ مِثْله بقُرْطُبَة حَتَّى بَقِيَت المَسَاجِدُ مغلقَة بِلاَ مُصَلٍّ وَسُمِّيَ عَام الْجُوع الكَبِيْر.
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ: أَخَذَ طُغْرُلْبَك المَوْصِل، وَسلَّمَهَا إِلَى أَخِيْهِ يَنَال وَكَتَبَ فِي أَلقَابه: ملك المَشْرِق وَالمَغْرِب. وَفِيْهَا كَانَ الجوعُ المُفرط بِبَغْدَادَ وَالفنَاء وَكَذَلِكَ بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْد حَتَّى يُقَالَ: هَلَكَ بِمَا وَرَاء النَّهْر أَلفُ أَلفٍ وَسِتُّ مائَةِ أَلْف.
وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ: أَخَذَ البسَاسيرِيُّ بَغْدَاد كَمَا قَدَّمْنَا، وَخَطَبَ لصَاحِب مِصْر فَأَقْبَل فِي أَرْبَعِ مائَة فَارِس فِي وَهْنٍ وَضَعف وَمَعَهُ قُرَيْش أَمِيْر العَرَب فِي مائةي فَارِس بَعْدَ أَنْ حَاصرَا المَوْصِل وَأَخَذَاهَا وَهَدَمَا قلعتهَا. وَاشْتَغَل طُغْرُلْبَك بِحَرب أَخِيْهِ فَمَالتِ العَامَّة إِلَى البسَاسيرِي لِمَا فَعَلت بِهِم الغُّز وَفَرِحتْ بِهِ الرَّافِضَّةُ فَحضر الهَمَذَانِيُّ عِنْد رَئِيْس الرُّؤَسَاء الوَزِيْر وَاسْتَأْذَنَه فِي الحَرْب وَضمن لَهُ قتل البسَاسيرِي فَأَذن لَهُ. وَكَانَ رَأْيُ عَمِيْدِ العِرَاق المُطَاولَة رَجَاءَ نَجدَةِ طُغْرُلْبَك فَبرز الهَمَذَانِيُّ بِالهَاشِمِيين وَالخدم وَالعوَام إِلَى الحلبَة فَتقهقر البسَاسيرِيُّ وَاسْتجرَّهُم ثُمَّ كرَّ عَلَيْهِم فَهَرَبُوا وَقُتِلَ عِدَّة وَنُهِبَ بَابُ الأَزج وَأَغلقَ الوَزِيْرُ عَلَيْهِم وَلطم العَمِيْد كَيْفَ اسْتبدَ الوَزِيْرُ بِالأَمْرِ وَلاَ مَعْرِفَةَ لهُ بِالحَرْب فَطَلبَ الخَلِيْفَةُ العَمِيْدَ وَأَمرهُ بِالقِتَال عَلَى سور الحرِيْم فَلَمْ يَرُعْهم إلَّا الصرِيخُ وَنهبُ الحرِيْم وَدخلُوا مِنْ بَاب النوبَى فَرَكِبَ الخَلِيْفَةُ وَعَلَى كَتِفِهِ البُرْدَة وَبِيَدِهِ السَّيْفُ وَحَوْلَهُ عددٌ فَرَجَعَ نَحْو العَمِيْد فَوَجَدهُ قَدِ اسْتَأْمن إِلَى قُرَيْش فَصَعِدَ المَنْظَرَة فَصَاح رَئِيْس الرُّؤَسَاء بِقُرَيْش: يَا عَلَمَ الدِّين: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَسْتَدنِيكَ. فَدنَا فَقَالَ: قَدْ أَنَالكَ الله رُتْبَةً لَمْ يُنِلهَا أَحَد، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ