وَنَفَّرُوا مِنْهُ مُلُوْكَ النَّاحيَة فَأَقْصَتْهُ الدَّوْلَة وَأَحرقت مجلدَاتٌ مِنْ كتبِهِ وَتَحَوَّل إِلَى بَادِيَة لَبْلَة فِي قَرْيَة.

قَالَ أَبُو الخَطَّاب ابْنُ دِحْيَة: كَانَ ابْنُ حَزْمٍ قَدْ بَرِصَ مِنْ أَكل اللُّبانَ وَأَصَابه زَمَانة وَعَاشَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً غَيْر شَهْر.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ كَانَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ الله يستعمل اللبان لقوة الحفظ فَولَّدَ لَهُ رَمْيَ الدَّم.

قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ العرِيف: كَانَ لِسَان ابْنِ حَزْمٍ وَسيفُ الحجَاجِ شَقِيقَيْنِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان التركِي: قَالَ لِي الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الله ابن مُحَمَّد يَعْنِي وَالِد أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِي: أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ أَن سَبَبَ تَعَلُّمه الفِقْه أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَة فَدَخَلَ المَسْجَدَ فَجَلَسَ وَلَمْ يَركع فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قُمْ فَصلِّ تحيَّة المَسْجَد.

وَكَانَ قَدْ بلغَ سِتّاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ: فَقُمْتُ وَركعتُ فَلَمَّا رَجَعنَا مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الجِنَازَة دَخَلْتُ المَسْجَد فَبَادرتُ بِالرُّكُوْع فَقِيْلَ لِي: اجْلِسْ اجْلِسْ لَيْسَ ذَا وَقتَ صَلاَة وَكَانَ بَعْد العَصْر قَالَ: فَانْصَرَفت وَقَدْ حَزِنْتُ وَقُلْتُ لِلأسْتَاذ الَّذِي رَبَّانِي: دُلنِي عَلَى دَار الفَقِيْه أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ دحُّوْنَ. قَالَ: فَقصدتُه وَأَعْلَمتُه بِمَا جرَى فَدلَّنِي عَلَى مُوَطَّأ مَالِكٍ فَبدَأَتُ بِهِ عَلَيْهِ وَتتَابعت قِرَاءتِي عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَة أَعْوَام وَبدَأتُ بِالمنَاظرَة. ثُمَّ قَالَ ابْنُ العَرَبِي: صَحِبتُ ابْنَ حَزْمٍ سَبْعَةَ أَعْوَام وَسَمِعْتُ مِنْهُ جمِيْع مُصَنّفَاته سِوَى المُجَلَّد الأَخِيْر مِنْ كِتَاب "الْفَصْل" وَهُوَ سِتُّ مُجَلَّدَات، وَقرَأَنَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَاب "الإِيصَال" أَرْبَع مُجَلَّدَات فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَع مائَة وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُوْنَ مجلداً ولي منه إجازة غير مرة.

قَالَ أَبُو مَرْوَان بن حَيَّان: كَانَ ابْنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللهُ حَامِل فُنُوْن مِنْ حَدِيْثٍ وَفقهٍ وَجَدَلٍ وَنَسَبٍ وَمَا يَتعلَّق بِأَذِيَال الأَدب مَعَ المُشَارَكَة فِي أَنْوَاع التَّعَالِيم القَدِيْمَة مِنَ المَنطق وَالفلسفَة وَلَهُ كُتب كَثِيْرَة لَمْ يَخلُ فِيْهَا مِنْ غَلَطٍ لِجرَاءته فِي التَّسوُّر عَلَى الفُنُوْن لاَ سِيَّمَا الْمنطق فَإِنَّهم زَعَمُوا أَنَّهُ زَلَّ هنَالك وَضَلَّ فِي سُلُوْك المسَالك وَخَالف أَرسطَاطَاليس وَاضِعَ الْفَنّ مُخَالَفَةَ مِنْ لَمْ يَفهم غَرَضَه وَلاَ ارْتَاض وَمَال أَوَّلاً إِلَى النَّظَر عَلَى رَأْي الشَّافِعِيّ وَنَاضل عَنْ، مَذْهَبه حَتَّى وُسِمَ بِهِ فَاسْتُهْدِفَ بِذَلِكَ لَكَثِيْر مِنَ الفُقَهَاء وَعِيْبَ بِالشُّذوذ ثُمَّ عَدَل إِلَى قَوْل أَصْحَاب الظَّاهِر فَنقَّحه وَجَادَل عَنْهُ وَثبتَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ وَكَانَ يحمل علمه هَذَا وَيُجَادل عَنْهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى اسْترسَالٍ فِي طِبَاعِهِ وَمَذَلٍ بِأَسرَارِهِ، وَاسْتنَادٍ إِلَى العَهْد الَّذِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015