-أَي: يُغنِّي, فَقَامَ جَمَاعَةٌ منَّا وَتواجَدُوا بَيْنَ يَدَيْهِ, ثُمَّ قَالَ شِعْراً فِي وَقْتِهِ, أَلقَاهُ عليَّ ابْنِ المقَارعِيِّ, فغنَّى بِهِ وَهُوَ:
يَا طَالِباً بَعْدَ قَتْلِي ... الحَجَّ للهِ نُسْكاً
فَبَكَى القَاضِي بكَاءً شدِيداً، وَقَدِمَ ابنُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ يَسِيْرَةٍ.
نقلَ هَذِهِ الفوائِدَ أَمِينُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ شهيدٍ, مِنْ خطِّ عَبْدِ الغَنِيّ بنِ سَعِيْدٍ، وَمِنْ خطِّه نُقِلَتُ.
قَالَ ابْنُ زُولاَقٍ فِي قُضَاةِ مِصْرَ: وُلِدَ الذُّهْلِيُّ بِبَغْدَادَ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَكَانَ أَبُوْهُ يَلِي قَضَاءَ وَاسِطَ, فَعُزِلَ بِابنِهِ أَبِي طَاهِرٍ عَنْهَا, وَأَخْبَرَنِي أَبُو طَاهِرٍ أَنَّهُ كَانَ يخلُفُ أَبَاهُ عَلَى البَصْرَةِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَوَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ مِنْ قِبَلِ الخَلِيْفَةِ المُطِيعِ, فَأَقَامَ بِهَا سبعَ سِنِيْنَ, ثُمَّ دَخَلَ مِصْرَ زَائِراً لكَافُوْرٍ سنَةَ أَرْبَعِيْنَ, ثُمَّ ثَارَ بِهِ أَهْلُ دِمَشْقَ وآذوه, وعُمِلَت عله محَاضرٌ فعُزلَ، وَأَقَامَ بِمِصْرَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ ابْنِ الخصيبِ وَوَلَدِهِ, فَسَعَى ابْنُ وَلِيْدٍ فِي القَضَاءِ, وَبَذَلَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِيْنَارٍ, وَحملَهَا عَلَى يدِ فنَكَ الخَادِمِ, فمدَحَ الشُّهُودُ أَبَا طَاهرٍ، وَقَامُوا مَعَهُ! فولَّاه كَافورٌ، وَطلبَ لَهُ العَهْدَ مِنِ ابْنِ أُمِّ شَيْبَانَ القَاضِي, فولاَّهُ القَضَاءَ وحمد.
وقد اختصر تفسير الجُبَّائيّ, وتفسير البَلْخِيِّ, ثُمَّ إنَّ ابنَ وَلِيْدٍ وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ، وَكَانَ أَبُو الطَّاهِرِ قَدْ عُنِيَ بِهِ أَبُوْهُ, فسمَّعه, فَأَدرَكَ الكِبَارَ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، وَإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ, وَمَا رَوَى عَنْهُ شَيْئاً لِصِغَرِهِ.
حصلَ لِلنَّاسِ عَنْهُ إِمْلاَءٌ وَقرَاءةٌ نَحْوَ مِائَتي جُزءٍ.
وحدَّث بِكِتَابِ "طبقَاتِ الشُّعَرَاءِ" لِمُحَمَّدِ بنِ سلَّام, رَوَاهُ عَنْ أَبِي خَلِيْفَةَ عَنْهُ.
قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ أَمرُهُ مستقيماً إِلَى أَن لَحِقَتْهُ عِلَّةٌ عطَّلت شقَّهُ فِي سَنَةِ 366, فقلَّد العزيزُ صَاحبُ مِصْرَ القَضَاءَ حِيْنَئِذٍ عَلِيَّ بنَ النُّعْمَانِ, وَكَانَتْ وَلاَيَةُ أَبِي الطَّاهِرِ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَعشرَةَ أَشهرٍ, وَأَقَامَ عَليلاً, وَأَصحَابُ الحَدِيْثِ منقطعُوْنَ إِلَيْهِ.
مَاتَ فِي آخر يوم سبعٍ وَسِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقِيْلَ: مَاتَ فِي سَلْخِ ذِي القَعْدَةِ مِنْهَا، وَقِيْلَ: استُعْفِيَ مِنَ القَضَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَسِيْرٍ.
وَمِنْ شعرِهِ فِي ولده: