دَخَلَ أَبُو العَبَّاسِ خُوَارِزْمَ للتِّجَارَةِ سنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ, فحكَى أنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ رَئِيْسَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ بِخُوَارِزْمَ, جَاءَ إِلَيْهِ إِلَى الخَانِ زَائِراً, ثُمَّ جِئْتُ مَجْلِسَهُ, فَسَأَلَنِي عَنِ أَحَادِيثَ, فَذَكَرْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا, فعظَّمني.
وحجَّ مِنْ خُوَارِزْمَ مَرَّتينِ، وَبُورِكَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَأَدْرَكَ سَنَةً مِنْ حَيَاةِ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيّ فَلاَزَمَهُ.
قَالَ: وَكَانَ مُؤتمناً عِنْدَ الأُمَرَاءِ وَالكُبَرَاءِ, يقومُ بِالأُمُورِ الخطيرَةِ، وَكَانَتِ الأَمتعَةُ النَّفِيسَةُ تَأْتِيهِ مِنْ كُلِّ جَانبٍ، وَكَانَ ورِعًا فِي معَاملاَتِهِ, كَبِيْرَ القدرِ, جُعِلَ نَاظراً للجَامِعِ فَعَمَّرَه.
وَكَانَ حَافِظاً للقُرَآنِ, عَارِفاً بِالحَدِيْثِ وَالتَّارِيْخِ وَالرِّجَالِ وَالفِقْهِ, كَافّاً عَنِ الفَتْوَى, حضَرَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَفْتُ إِنْ تَزَوَّجْتُ فلانَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلاَثاً, فَقَالَ: قولُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيْفَةَ تطلُقُ, وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ تطلُقُ, فَقَالَ السَّائِلُ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: هَذَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ الفُرَاتِيِّ, وَلَمْ يُفْتِهِ.
وَقَدْ سَمِعَ بِمَنْصُوْرَةَ -وَهِيَ أَمُّ بلاَدِ خُوَارِزْمَ- بَعْضَ "صَحِيْحِ البُخَارِيِّ" مِنَ الفِرَبْرِي, فَوجَدَهُ نَازِلاً, فصنَّف عَلَى مِثَالِهِ مُستخرجاً لَهُ, وصنَّف كِتَاباً فِي الأَحَادِيثِ الَّتِي فِي مُخْتَصَرِ المُزَنِيِّ.
وَكَانَ إِذَا صحَّ عِنْدَهُ حَدِيْثٌ عملَ بِهِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى مَذْهَبٍ.
وَكَانَ يحفظُ حَدِيْثَهُ وَيَدْرِيهِ.
وَكَانَ محبَّباً إِلَى النَّاسِ متبرَّكًا بِهِ, نَافِذَ الكَلِمَةِ, قدَّموه للاسْتِسْقَاءِ بِهِمْ.
وَكَانَ لَهُ مَجْلِسٌ للإِملاَءِ فِي كُلِّ اثنينِ وَخمِيسٍ, فَكَانَ يحضُرُهُ الأَئِمَّةُ، وَالكُبَرَاءُ, وَكَانَ يَرَى الجَهْرَ بِالبَسْمَلَةِ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعَدَّلُ, أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ, أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّيِّ, أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ, أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البُرْقَانِيُّ, قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ بنِ حَمْدَانَ -وَأَنَا أَسمعُ- فِي جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ, حدَّثكم مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ, أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ, حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعِيْدٍ, حَدَّثَنِي أَبِي, عَنِ أَبِيهِ, قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, فَدَعَا بِطَهورٍ, فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ الصَّلاَةُ المَكْتُوبَةُ, فَيُحْسِنُ وُضُوءهَا وَخُشُوعَهَا