قَالَ: فَردَّدَ عَلَيْهِ مائَةَ أَلْفٍ اسْتِكثَاراً لَهَا. ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ. قَالَ: فَأَعْطِنِي مَا تُعطِي، وَأَنْتَ طَيِّبُ النَّفْسِ فَقَدْ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً، وَهُوَ بِهَا طَيِّبُ النَّفْسِ بُوْرِكَ لِلْمُعْطِي، وَالمُعْطَى".
قَالَ: فَإِنِّي طَيِّبُ النَّفْسِ بِهَا. فَأَهوَى لِيُقَبِّلَ يَدَهُ فَمَنَعَهُ، وَقَالَ: إِنَّا نُكرِمُكَ عَنْهَا، وَنُكرِمُهَا عَنْ غَيْرِكَ.
وَعَنِ الرَّبِيْعِ الحَاجِبِ قَالَ: دُرْنَا فِي الخَزَائِنِ بَعْدَ مَوْتِ المَنْصُوْرِ أَنَا وَالمَهْدِيُّ, فَرَأَيْنَا فِي بيتٍ أَرْبَعَمائَةِ حُبٍّ مُسَدَّدَةَ الرُّؤُوْسِ, فِيْهَا أَكْبَادٌ مُمَلَّحَةٌ, مُعَدَّةٌ لِلْحِصَارِ.
وَقِيْلَ: رَأَتْ جارية للمنصور قميصه مرقوعًا, فكلمته فقال:
قَدْ يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتَى، وَرِدَاؤُهُ ... خَلَقٌ، وَجَيْبُ قَمِيْصِهِ مَرْقُوْعُ
وَعَنِ المَدَائِنِيِّ: أَنَّ المَنْصُوْرَ لَمَّا احْتُضِرَ, قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيْ قَدِ ارْتَكبتُ عَظَائِمَ جُرْأَةً مِنِّي عَلَيْكَ، وَقَدْ أَطَعْتُكَ فِي أَحَبِّ الأشياء إليك شهادة أن لا إلهإلَّا اللهُ مَنّاً مِنْكَ لاَ مَنّاً عَلَيْكَ. ثُمَّ مَاتَ.
وَقِيْلَ: رَأَى مَا يَدُلُّ عَلَى قُربِ مَوْتِهِ فَسَارَ لِلْحَجِّ.، وَقِيْلَ: مَاتَ مَبْطُوناً، وَعَاشَ أَرْبَعاً، وَسِتَّيْنَ سَنَةً.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: دُفِنَ بَيْنَ الحَجُوْنِ، وَبِئْرِ مَيْمُوْنٍ فِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ عَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ لِسُفْيَانَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ: أَتُؤمِنُ بِاللهِ? قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنِ الأَمْوَالِ الَّتِي اصْطَفَيْتُمُوهَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فَلَئِنْ صَارَتْ إِلَيْكُم ظُلْماً، وَغَصْباً فَمَا رَدَدْتُمُوهَا إِلَى أَهْلِهَا الَّذِيْنَ ظُلِمُوا، ولئن كانت لبني أمية لقَدْ أَخَذتُم مَا لاَ يَحِلُّ لَكُم إِذَا دُعِيَتْ غَداً بَنُو أُمَيَّةَ بِالعَدْلِ جَاؤُوا بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَإِذَا دُعِيْتُم أَنْتُم لَمْ تجيؤوا بِأَحَدٍ فَكُنْ أَنْتَ ذَاكَ الأَحَدَ فَقَدْ مَضَتْ مِنْ خِلاَفَتِكَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ: مَا أَجِدُ أَعْوَاناً. قُلْتُ: عَوْنُكَ عَلَيَّ بِلاَ مَرزِئَةٍ أَنْتَ تَعلَمُ أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيَّ يُرِيْدُ مِنْكَ كُلَّ عَامٍ بَيْتَ مَالٍ، وَأَنَا أَجِيئُكَ بِمَنْ يَعْمَلُ بِغَيْرِ رِزْقٍ آتِيْكَ بِالأَوْزَاعِيِّ، وَآتِيْكَ بِالثَّوْرِيِّ، وَأَنَا أُبَلِّغُكَ عَنِ العَامَّةِ. فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَكمِلَ بِنَاءَ بَغْدَادَ، وَأُوَجِّهِ خَلْفَكَ. فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ:، وَلِمَ ذَكَرتَنِي لَهُ?. قَالَ:، وَاللهِ مَا أردتإلَّا النُّصحَ. قَالَ سُفْيَانُ:، وَيْلٌ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِم إِذَا لَمْ يَكُنْ كَبِيْرَ العَقْلِ كَثِيْرَ الفَهْمِ كَيْفَ يَكُوْنُ فِتْنَةً عَلَيْهِم، وَعَلَى الأُمَّةِ.
قَالَ نُوْبَخْتُ المَجُوْسِيُّ: سُجِنْتُ بِالأَهْوَازِ فَرَأَيْتُ المَنْصُوْرَ، وَقَدْ سُجِنَ يَعْنِي: وَهُوَ