شَابٌّ- قَالَ: فَرَأَيتُ مِنْ هَيْبَتِهِ وَجَلاَلتِهِ وَحُسنِهِ, مَا لَمْ أَرَهُ لأَحَدٍ, فَقُلْتُ: وَحَقِّ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِنَّكَ لَمِنْ، وَلَدِ صَاحِبِ المَدِيْنَةِ? فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنِّي مِنْ عَرَبِ المَدِيْنَةِ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَتَقرَّبُ إِلَيْهِ، وَأَخْدمُهُ حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ كُنْيَتِهِ. فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ. قُلْتُ: وَحَقِّ المَجُوْسِيَّةِ, لَتَملِكَنَّ. قَالَ: وَمَا يُدرِيْكَ? قُلْتُ: هُوَ كَمَا أَقُوْلُ لَكَ، وَسَاقَ قِصَّةً.

وَقَدْ كَانَ المَنْصُوْرُ يُصْغِي إِلَى أَقْوَالِ المُنَجِّمِيْنَ، وَيَنْفُقُونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ هَنَاتِهِ مَعَ فَضِيْلَتِهِ.

وَقَدْ خَرَجَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ وِلاَيَتِهِ: عَمُّهُ عَبْدُ اللهِ بنُ علي, فرماه بنظيره أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّوْلَةِ، وَقَالَ: لاَ أُبَالِي أَيُّهُمَا أُصِيْبَ. فَانْهَزَم عَمُّهُ، وَتَلاَشَى أَمرُهُ ثُمَّ فَسَدَ مَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَبِي مُسْلِمٍ فَلَمْ يَزَلْ يَتَحَيَّلُ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَأصَلَه، وَتَمَكَّنَ.

ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِ: ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ، وَكَادَ أَنْ تَزُوْلَ دَوْلَتُهُ، وَاسْتَعَدَّ لِلْهَرَبِ, ثُمَّ قُتِلاَ فِي أَرْبَعِيْنَ يَوْماً، وَأَلْقَى عَصَاهُ، وَاسْتَقَرَّ.

وَكَانَ حَاكِماً عَلَى مَمَالِكِ الإِسْلاَمِ بَأْسرِهَا, سِوَى جَزِيْرَةِ الأَنْدَلُسِ، وَكَانَ يَنْظُرُ فِي حَقِيْرِ المَالِ، ويثمره، ويجتهد بحيث إنه خلف في بيوت الأَمْوَالِ مِنَ النَّقْدَيْنِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دينار فيما قيل، وستمئة أَلفِ أَلفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَشَبَّهُ بِالثَّلاَثَةِ فِي سِيَاسْتِهِ، وَحَزْمِهِ، وَهُم: مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ الملك، وهشام.

وقيل: إنه أحسن شَغَباً عِنْدَ قَتْلِهِ أَبَا مُسْلِمٍ, فَخَرَجَ بَعْدَ أَنْ فَرَّقَ الأَمْوَالَ، وَشَغَلَهُم بِرَأْسِهِ, فَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَخْرُجُوا مِنْ أُنْسِ الطَّاعَةِ إِلَى، وَحْشَةِ المَعْصِيَةِ، وَلاَ تُسِرُّوا غِشَّ الأَئِمَّةِ يُظهِرِ اللهُ ذَلِكَ عَلَى فَلَتَاتِ الأَلْسِنَةِ، وَسَقَطَاتِ الأَفعَالِ فَإِنَّ مَنْ نَازَعَنَا عُرْوَةَ قَمِيْصِ الإِمَامَةِ أَوْطَأْنَاهُ مَا فِي هَذَا الغِمدِ، وَإِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ بَايَعَنَا عَلَى أَنَّهُ إِنْ نَكَثَ بَيْعتَنَا فَقَدْ أَبَاحَ دَمَهُ لَنَا ثُمَّ نَكَثَ فَحكَمْنَا عَلَيْهِ لأَنْفُسِنَا حُكْمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْنَا رِعَايَةُ حَقِّهِ مِنْ إِقَامَةِ الحَقِّ عَلَيْهِ فَلاَ تَمشُوا فِي ظُلْمَةِ البَاطِلِ بَعْد سَعْيِكُم فِي ضِيَاءِ الحَقِّ، وَلَوْ عُلِمَ بِحقِيْقَةِ حَالِ أَبِي مُسْلِمٍ لَعَنَّفَنَا عَلَى إِمهَالِهِ مَنْ أَنْكَرَ منا قتله، والسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015