إلَّا مَا قُلْتَ، وَلاَ تَزِدْهُ عَلَيْهِ. فَأَبْلَغْتُهُ, فَهَمَّ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ أَنْ يَسِيْرَ إِلَى الكُوْفَةِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ المُخْتَارَ، فَثَقُلَ عَلَيْهِ قُدُوْمُهُ، فَقَالَ: إِنَّ فِي المَهْدِيِّ عَلاَمَةً يَقْدَمُ بَلَدَكُم هَذَا، فَيَضْرِبُهُ رَجُلٌ فِي السُّوْقِ بِالسَّيْفِ لاَ يَضُرُّهُ وَلاَ يَحِيْكُ فِيْهِ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الحَنَفِيَّة، فَأَقَامَ، فَقِيْلَ لَهُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَى شِيْعَتِكَ بِالكُوْفَةِ, فَأَعْلَمْتَهُم مَا أَنْتَ فِيْهِ. فَبَعَثَ أَبَا الطُّفَيْلِ إِلَى شِيْعَتِهِمْ, فَقَالَ لَهُم: إِنَّا لاَ نَأْمَنُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى هَؤُلاَءِ. وَأَخْبَرَهُم بِمَا هُمْ فِيْهِ مِنَ الخَوْفِ، فَقَطَعَ المُخْتَارُ بَعْثاً إِلَى مَكَّةَ، فَانْتَدَبَ مَعَهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَعَقَدَ لأبي عبد الله الجدلي عليهم، وَقَالَ لَهُ: سِرْ، فَإِنْ وَجَدْتَ بَنِي هَاشِمٍ في حياة، فكن لهم عضدًا، و "انفذ" لِمَا أَمَرُوْكَ بِهِ وَإِنْ وَجَدْتَ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ قَتَلَهُم, فَاعْتَرِضْ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ, ثُمَّ لاَ تَدَعْ لآلِ الزُّبَيْرِ شَعْراً وَلاَ ظُفُراً, وَقَالَ: يَا شُرْطَةَ اللهِ لَقَدْ أَكْرَمَكُمُ اللهُ بِهَذَا المَسِيْرِ, وَلَكُم بِهَذَا الوَجْهِ عَشْرُ حِجَجٍ وَعَشْرُ عُمَرٍ وَسَارُوا حَتَّى أَشْرَفُوا عَلَى مَكَّةَ فَجَاءَ المُسْتَغِيْثُ: عَجِّلُوا فَمَا أُرَاكُم تُدْرِكُوْنَهُم. فَانْتَدَبَ مِنْهُم ثَمَانِ مائَةٍ رَأْسُهُم عَطِيَّةُ بنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ فَكَبَّرُوا تَكَبِيْرَةً سَمِعَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَهَرَبَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ وَيُقَالُ: تَعَلَّقَ بَأْسْتَارِ الكَعْبَةِ- وَقَالَ أَنَا عَائِذُ اللهِ. قَالَ عَطِيَّةُ: ثُمَّ مِلْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الحَنَفِيَّةِ وَأَصْحَابِهِمَا فِي دُوْرٍ قَدْ جُمِعَ لَهُمُ الحَطَبُ, فَأُحِيْطَ بِهِمْ حَتَّى سَاوَى الجُدُرَ, لَوْ أَنَّ نَاراً تَقَعُ فِيْهِ مَا رُئِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَأَخَّرْنَاهُ عَنِ الأَبْوَابِ, وَعَجِلَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ, وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ, فَأَسْرَعَ فِي الحَطَبِ لِيَخْرُجَ, فَأَدْمَاهُ. وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ ابْنُ الزُّبَيْرِ, فَكُنَّا صَفَّيْنِ, نَحْنُ وَهُمْ فِي المَسْجِدِ نَهَارَنَا لاَ نَنْصَرِفُ إِلَى صَلاَةٍ حَتَّى أَصْبَحْنَا وَقَدِمَ الجَدَلِيُّ فِي الجَيْشِ فَقُلْنَا لابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الحَنَفِيَّةِ: ذَرُوْنَا نُرِحِ النَّاسَ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالاَ: هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللهُ, مَا أَحَلَّهُ لأَحَدٍ إلَّا لِنَبِيِّهِ سَاعَةً فَامْنَعُوْنَا وَأَجِيْرُوْنَا قَالَ: فَتَحَمَّلُوا وَإِنَّ مُنَادِياً لَيُنَادِي فِي الجَبَلِ: مَا غَنِمَتْ سَرِيَّةٌ بَعْدَ نَبِيِّهَا مَا غَنِمَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ إِنَّ السَّرِيَّةَ تَغْنَمُ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ, وَإِنَّمَا غَنِمْتُمْ دِمَاءنَا. فَخَرَجُوا بِهِم فَأَنْزَلُوْهُمْ مِنَىً فَأَقَامُوا مُدَّةً ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الطَّائِفِ وَبِهَا تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فَبَقِيْنَا معَهُ فَلَمَّا كَانَ الحَجُّ وَافَى مُحَمَّدٌ بِأَصْحَابِهِ فَوَقَفَ وَوقَفَ نَجْدَةُ بنُ عَامِرٍ الحَنَفِيُّ فِي الخوَارِجِ نَاحِيَةً وَحَجَّتْ بَنُوْ أُمَيَّةَ عَلَى لِوَاءٍ فَوَقَفُوا بعرفة.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ الَّذِي أَقَامَ الحَجَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ. وَحَجَّ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ فِي الخَشَبِيَّةِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ, نَزَلُوا فِي الشِّعْبِ الأَيْسَرِ مِنْ مِنَىً, فَخِفْتُ الفِتْنَةَ, فَجِئْتُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ, فَقُلْتُ: يَا أَبَا القَاسِمِ اتَّقِ اللهَ فَإِنَّا فِي مَشْعَرٍ حَرَامٍ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ وَالنَّاسُ وَفْدُ اللهِ فَلاَ تُفْسِدْ عَلَيْهِم حَجَّهُمْ فَقَالَ: وَاللهِ مَا أُرِيْدُ ذَلِكَ وَلَكِنِّي أَدْفَعُ عَنْ نفسي, وما أطلب هذا الأمرإلَّا أَنْ لاَ يَخْتَلِفَ عَلَيَّ فِيْهِ اثْنَانِ, فَائْتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَكَلِّمْهُ عَلَيْكَ, بِنَجْدَةَ, فَكَلِّمْهُ. فَجِئْتُ ابن الزبير,