وبعد اتضحت بعض معالم المداراة يحسن أن توضح بعض معالم المداهنة؛ لأن الأشياء إنما تتميز بضدها، فإليك أيها القارئ بعض تلك المعالم.
1ـ المداهنة هي إظهار الرضا بما يصدر من الظالم أو الفاسق من قول باطل، أو عمل مكروه، فهي بلادة في النفس، واستكانة للهوى، وقبول ما لا يرضى به ذو دين، أو عقل، أو مروءة.
وأصل المداهنة من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء، ويستر باطنه.
2ـ المداهنة خلق قذر، لا ينحط فيه إلا من قل في العلم وزنه، أو من نشأ نشأة صغار ومهانة.
3ـ تضم المداهنة بين جناحيها الكذب، وإخلاف الوعد.
أما الكذب فلأن المداهن يصف الرجل بغير ما يعرفه منه، ومن دخل الكذب من باب سهل عليه أن يأتيه من أبواب متفرقة.
وأما أخلاف الوعد فلأن المداهن يقصد إلى إرضاء صاحبه في الحال، فلا يبالي أن يعده بشيء وهو عازم على أن لا يصدق في وعده.
4ـ ليس من الصعب على المداهن وقد مرد على الكذب أن يخلف الوعد، ويختلق لإخلافه عذرا، وهذا الاختلاف لا يرتكبه الراسخ في كرم وإن كلفه الوفاء بالوعد أمرا جللا.