سوء الخلق (صفحة 108)

وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ متحدثا عن حسن الخلق والعفو، والإحسان إلى من أساء: "وما رأيت أحدا أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه ـ

وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه.

وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم.

وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له ـ فنهرني، وتنكر لي، واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله، فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام.

فسروا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه"1.

فإذا كان الأمر كذلك فإنه يجدر بالعاقل ـ كما قال ابن حبان ـ "توطين نفسه على لزوم العفو عن الناس كافة، وترك الخروج لمجازاة الإساءة؛ إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسن من الإحسان، ولا سبب لنماء الإساءة وتهييجها أشد من الاستعمال بمثلها"2.

وقد يظن ظان أن العفو عن المسيء، والإحسان إليه مع القدرة عليه ـ موجب للذلة والمهانة، وأنه قد يجر إلى تطاول السفهاء.

وهذا خطأ؛ ذلك أن العفو والحلم لا يشتبه بالذلة بحال؛ فإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015