من ممالك الْكفْر وَدَمرَ دِيَارهمْ واستلب أعمارهم وسبى نِسَاءَهُمْ وصغارهم وَكَانَ شَيخا كَرِيمًا حَلِيمًا ضحوك الْوَجْه كثير البِشر أحسن الْمُلُوك سيرة وأطهرهم سريرة يشبه بِالْملكِ الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد وَلم يتْرك فِي خزائنه سوى سِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما وَقَالَ غير ابْن السُّبْكِيّ سَبْعَة وَأَرْبَعين درهما وَلم يتْرك عقارا وَلَا مزرعة وَلَا شَيْئا من أَنْوَاع الْأَمْلَاك لِكَثْرَة عطاياه وهباته وصدقاته وخيراته إِلَى أمرائه وفقرائه حَتَّى إِلَى أعدائه وَخلف من الْأَوْلَاد سَبْعَة عشر ذكرا وَابْنَة وَاحِدَة أكبرهم الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ وَكَانَ قد قسم الْبِلَاد فِي حَيَاته بَين أَوْلَاده فالديار المصرية لوَلَده الْعَزِيز عُثْمَان وبلاد دمشق وَمَا حولهَا لوَلَده الْأَفْضَل الْمَذْكُور والديار الحلبية لوَلَده الظَّاهِر غَازِي والكرك والشوبك لِأَخِيهِ الْعَادِل أبي بكر ثمَّ شرعت الْأُمُور تضطرب وتختلف حَتَّى آل الْأَمر واستقرت الممالك وَاجْتمعت المحافل على أخي السُّلْطَان الْملك الْعَادِل وَصَارَت المملكة فِي أَوْلَاده الأماجد الأفاضل كَمَا ستراهم حِين تعدادهم وَاحِدًا بعد وَاحِد وَكَانَ سَبَب وَفَاته أَن اعترته حمى صفراوية لَيْلَة السبت سادس عشر صفر وتفاقم بِهِ الْحَال لَيْلَة الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَدخل عَلَيْهِ القَاضِي الْفَاضِل فِي الصُّبْح وَهُوَ باَخر رَمق فَلَمَّا قَرَأَ الْقَارئ قَوْله تَعَالَى {لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت} التَّوْبَة: 129 تَبَسم وتهلل وَجهه وَسلمهَا إِلَى ربه عز وَجل وَله من الْعُمر سبع وَخَمْسُونَ سنة وَدفن بتربته عِنْد مدرسة أَنْشَأَهَا ب الْموصل وألحده وَلَده نور الدّين عَلِي الْأَفْضَل وَدفن مَعَه سَيْفه الَّذِي كَانَ يحضر بِهِ الْجِهَاد والجلاد وَذَلِكَ بِإِشَارَة القَاضِي الْفَاضِل وَقد عمل فِيهِ الشُّعَرَاء المراثي الْكَثِيرَة فَمن أحْسنهَا قصيدة الْعِمَاد الْكَاتِب وَهِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015