(يَمُرُّ عَلَى الوَادِي فَتُثْنِي رِمَالُهُ ... علَيْهِ وبِالنِّادِي فَتُثْنِي أَرَامِلُهْ)
رَجعْنَا إِلَى سيرة شاور والعاضد وَأسد الدّين لما اصْطلحَ شاور مَعَ العاضد استمرا على دَخَن فَلَمَّا كَانَت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة طغت الفرنج بالديار المصرية وتحكموا فِي إيوانها وسكنها أَكثر شجعانهم وَلم يبْق شَيْء من أَن يستحوذوا عَلَيْهَا ويخرجوا مِنْهَا أَهلهَا الْمُسلمين وَذَلِكَ بِسَبَب مَا قَرَّرَهُ لَهُم شاور على مصر كل عَام بِأَلف ألف دِينَار وَأَن تكون لَهُم بهَا شحنة فَلَمَّا سمع الفرنج بذلك طمعوا فِي أَخذهَا بِالْأَصَالَةِ فركبت أمدادهم من كل نَاحيَة وَسَارُوا فَأول مَا أخذُوا مَدِينَة بلبيس فَقتلُوا خلقا وأسروا آخَرين فَأمر الْوَزير شاور بإحراق مصر وَأَن ينْتَقل النَّاس إِلَى الْقَاهِرَة فنهبت الْبَلَد وَبقيت النَّار تعْمل فِي مصر أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا فَعِنْدَ ذَلِك أرسل الْخَلِيفَة العاضد لدين الله إِلَى الْملك نور الدّين الشَّهِيد مَحْمُود بن زنكي يستغيث بِهِ وَبعث إِلَيْهِ بشعور نِسَائِهِ يَقُول لَهُ أدركني واستنقذ نسَائِي من يَد الفرنج وَالْتزم لَهُ بِثلث خراج مصر على أَن يكون أَسد الدّين شيركوه مُقيما عِنْدهم بِمصْر وَلَهُم إقطاعات زَائِدَة على الثُّلُث فشرع نور الدّين فِي تجهيز الجيوش إِلَى الديار المصرية فَلَمَّا استشعر الْوَزير شاور بوصول الْمُسلمين أرسل إِلَى ملك الإفرنج يَقُول قد عرفت محبتي ومودتي ولكِن العاضد والمسلمون لَا يوافقوني على تَسْلِيم الْبَلَد واستدعي نور الدّين الشَّهِيد الْأَمِير أَسد الدّين شيركوه فقدمه على العساكر الَّتِي قد جهزها إِلَى الديار المصرية وأضاف إِلَيْهِ جملَة من الْأُمَرَاء والأعيان وَكَانَ فِي جُمْلَتهمْ ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي وأضاف إِلَيْهِ سِتَّة آلَاف من التركمان فَلَمَّا وصلت الجيوش النورية إِلَى الديار المصرية وجدوا الفرنج قد انشمروا عَن الْقَاهِرَة بالصفقة الخاسرة فَدخل الْأَمِير أَسد الدّين على العاضد وخلع عَلَيْهِ خلعة سنية فلبسها وَعَاد إِلَى مخيمه بِظَاهِر الْقَاهِرَة وَخرجت وُجُوه النَّاس إِلَى مخيم أَسد الدّين خدمَة لَهُ وَكَانَ مِمَّن خرج إِلَه الْخَلِيفَة العاضد متنكراً فَأسر إِلَيْهِ أموراً مهمة مِنْهَا قتل الْوَزير شاور وَقرر مَعَه ذَلِك وَعظم أَمر الْأَمِير أَسد الدّين بِمصْر وَلم يقدر الْوَزير شاور على منع شَيْء من ذَلِك لِكَثْرَة من مَعَ أَسد الدّين من الْجَيْش وَلَكِن شرع يماطل فِيمَا كَانَ تقرر لَهُم