يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي فَلَمَّا دخلُوا مصر خرج إِلَيْهِم الْجَيْش الَّذِي بهَا فَاقْتَتلُوا أَشد الْقِتَال فَهَزَمَهُمْ أَسد الدّين وَقتل مِنْهُم خلقا وَقتل ضرغام بن سوار وطيف بِرَأْسِهِ فِي الْبِلَاد وَاسْتقر شاور فِي الوزارة ثمَّ اصْطلحَ العاضد هُوَ وشاور وَفِي هَذِه السّنة الْمَذْكُورَة كَانَت وَفَاة مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي مَنْصُور أبي جَعْفَر الْأَصْفَهَانِي الملقب بالجمال وَزِير صَاحب الْموصل قطب الدّين بن مودود بن زنكي وَهُوَ ابْن أخي مُحَمَّد بن زنكي بن آق سنقر السلجوقي الْمَذْكُور كَانَ هَذَا الْجمال الْأَصْفَهَانِي كثير الْمَعْرُوف وَالصَّدقَات وَله آثَار حَسَنَة ب مَكَّة وَالْمَدينَة من ذَلِك أَنه سَاق عينا إِلَى عَرَفَات وَعمل هُنَالك مصانع وَبنى مَسْجِد عَرَفَات ودرجه وَأحكم أَبْوَاب الْحرم وَبنى مَسْجِد الْخيف وَبنى الْحجر وزخرف الْكَعْبَة وأذهبها وعملها بالرخام وَبنى على الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة سوراً وَبنى جِسْرًا على دجلة عِنْد جَزِيرَة ابْن عمرَ بِالْحجرِ المنحوت وَالْحَدِيد والرصاص وَبنى ربطاً كَثِيرَة وَكَانَ يتَصَدَّق كل يَوْم على بَابه بِمِائَة دِينَار ويفتدي من الأساري كل سنة بِعشْرَة آلَاف دِينَار وَلَا تزَال صدقاته وافدة إِلَى الْفُقَهَاء والفقراء حَيْثُ كَانُوا وَلما مَاتَ دفن فِي رِبَاط بناه لنَفسِهِ بالموصل وَقد كَانَ بَينه وَبَين أَسد الدّين شيركوه الْمَذْكُور مؤاخاة وعهد أَيهمَا مَاتَ قبل الآخر أَن يحملهُ إِلَى الْمَدِينَة فاستأجر لَهُ أَسد الدّين رجَالًا فنقلوه إِلَيْهَا فَمَا مروا بِهِ فِي بَلْدَة إِلَّا صلى عَلَيْهِ أَهلهَا وترحموا وأثنوا عَلَيْهِ خيرا فَصلي عَلَيْهِ ب الْموصل وتكريت وبغداد والحلة والكوفة وَمَكَّة وطيف بِهِ حول الْكَعْبَة ثمَّ نقل إِلَى الْمَدِينَة المشرفة فَدفن برباط بناه شَرْقي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَابْن السَّاعِي وَلَيْسَ بَينه وَبَين حرم رَسُول الله
سوى مِقْدَار خَمْسَة عشر ذِرَاعا قَالَ ابْن السَّاعِي لما صليَ عَلَيْهِ بالحلة صَعِدَ شَاب على نشز فَأَنْشد من الطَّوِيل
(سرَى نَعْشُهُ فَوْقَ الرِّقَابِ وطَالَما ... سَرَى جُودُهُ فَوْقَ الرِّكَابِ ونَائِلُهْ)