الْخطْبَة قد قطعت عَن بني الْعَبَّاس من ديار مصر من سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة فِي خلَافَة الْمُطِيع العباسي قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَقد ألفت فِي ذَلِك كتابا سميته النَّصْر على مصر قَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ وَاتفقَ أَنه لما دخل الْمعز الفاطمي مصر أرسل إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر يطْلب ألقاباً تكون عِنْده لمن يقوم بعده من أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده فَكتبت لَهُ هَذِه الألقاب الْعَزِيز الْحَاكِم بِأَمْر الله إِلَى العاضد آخِرهم والعضد فِي اللُّغَة الْقطع فَكَانَ مَعَ إِرَادَته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَاطعا لخلافتهم وَبِه انْقِرَاض ملكهم قَالَ الْعَلامَة ابْن السُّبْكِيّ وَاتفقَ أَنه لما اسْتَقر أَمر السُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي مصر بِالْخطْبَةِ لبني الْعَبَّاس عَن مرسوم الْملك نور الدّين مَحْمُود بن زنكي لَهُ بذلك لمعاتبة الْخَلِيفَة المستنجد إِيَّاه قبل وَفَاته بذلك وَكَانَ إِذْ ذَاك العاضد مَرِيضا مدنفاً فَكَانَت وَفَاته يَوْم عَاشُورَاء فِي سنة سبع وَسِتِّينَ كَمَا تقدم ذكر ذَلِك فَحَضَرَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين جنَازَته وَشهد عزاءه وَبكى عَلَيْهِ وتأسف وَظهر مِنْهُ حزن فقد كَانَ مُطيعًا لَهُ فِيمَا يَأْمُرهُ بِهِ وَلما مَاتَ استحوذ الْملك صَلَاح الدّين على الْقصر بِمَا فِيهِ وَأخرج أهل العاضد إِلَى دَار أفردها لَهُم وأجرى عَلَيْهِم النَّفَقَات والأرزاق الهنية والمعيشة المرضية وَكَانَ يتندم على إِقَامَته الْخطْبَة العباسية قبل وَفَاته وهلاً صَبر بهَا إِلَى مَا بعد مماته وَلَكِن كَانَ ذَلِك قدرا مَقْدُورًا وَفِي الْكتاب مسطوراً وَمِمَّا قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب فِي ذَلِك من // (المنسرح) //
(تُوُفّيَ العَاضِدُ الدَّعِيُّ فَمَا ... يَفْتَحُ ذُو بِدْعَةٍ بِمِصْرَ فَمَا)
(وَعَصْرُ فِرْعَوْنِهَا انْقَضَى وَغَدَا ... يُوسُفُهَا فِي الأُمُورِ مُحْتَكِمَا)
(فَانْطَفَأَتْ جَمْرَةُ الفُؤَادِ وَقَدْ ... بَاخَ مِنَ الشَّرِّ كُلُّ مَا اضْطَرَمَا)
(وَصَارَ شَمْلُ الصَّلاَحِ مُلْتَئِمًا ... بِهَا وَعَقفْدُ السّدَادِ مُنْتَظِمَا)
(لمَّا غَدَا معلما شِعَارُ بَنِي العَبَّاسِ ... حَقَّا وَالبَاطِلُ اكْتًتِمَا)
(وَبَاتَ دَاعِي التَّوْحِيدِ مُنْتَصِرًا ... وَمِنْ دُعَاةِ الْإِشْرَاكِ مُنْتَقِمَا)
(فَظَلَّ أَهْلُ الضَّلاَلِ فِي ظُلَلٍ ... دَاجِيَةٍ مِنْ عَماَيَةٍ وَعَمَى)