اسْتَأْذن السُّلْطَان طغرلبك فِي الْخُرُوج وَرَاء البساسيري فَأذن لَهُ وَكَانَ قد عزم على أَن يمْضِي مَعَه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا أكفيك وَأطلق لمهاوش عشرَة آلَاف دِينَار وَلم يرض وَشرع السُّلْطَان فِي تَرْتِيب الجيوش وَرَاء البساسيري فَأرْسل جَيْشًا من نَاحيَة الْكُوفَة ليمنعوه من الدُّخُول إِلَى الشَّام وَخرج هُوَ فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من شهر ذِي الْحجَّة فِي بَقِيَّة الْجَيْش وَأما البساسيري فَإِنَّهُ مُقيم بواسط فِي جمع غلات وتمور يتهيأ لقِتَال أهل بَغْدَاد وَمن فِيهَا وَعِنْده أَن السُّلْطَان طغرلبك وَمن مَعَه لَيْسُوا بِشَيْء يخَاف مِنْهُم وَذَلِكَ لما يُريدهُ الله من إهلاكه على يَد السُّلْطَان جزاه الله عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين خيرا وَلما سَار السُّلْطَان وَقد وصلت إِلَيْهِ السّريَّة الأولى فَلَقوهُ بِأَرْض وَاسِط فَالْتَقوا هُنَاكَ فَانْهَزَمَ أَصْحَاب البساسيري وَنَجَا بِنَفسِهِ على فرسه فَتَبِعَهُ بعض الغلمان فَرمى فرسه بنشابة فألقته إِلَى الأَرْض وَجَاء وضربه على وَجهه وَلم يعرفهُ وَأَخذه وَاحِد من الْجَيْش يُقَال لَهُ كشتكين فحز رَأسه وَحمله إِلَى السُّلْطَان وَأخذت الأتراك من جَيش البساسيري من الْأَمْوَال والذخائر مَا عجزوا عَن حمله وَلما وصل الرَّأْس إِلَى السُّلْطَان أَمر أَن يذهب بِهِ إِلَى بَغْدَاد وَأَن يرفع على قناة وَأَن يُطَاف بِهِ والدباب والبوقات والنفاطون مَعَه فَفعل ذَلِك وَخرج النَّاس وَالنِّسَاء وَالصبيان للفرجة عَلَيْهِ ثمَّ نصب على الطيار تجاه دَار الْخلَافَة وَالله الْحَمد والْمنَّة وَكَانَ مَعَ البساسيري خلق من البغاددة خَرجُوا ظانين أَنه سيعود إِ ليها محبَّة فِيهِ فهلكوا ونهبت أَمْوَالهم كلهَا وَلم ينج من أَصْحَابه إِلَّا الْقَلِيل وَأما الْخَلِيفَة فَإِنَّهُ لما عَاد إِلَى دَار الْخلَافَة جعل لله عَلَيْهِ أَلا ينَام وطاء وَلَا يَأْتِيهِ أحد بطعامه إِذا كَانَ صَائِما وَلَا يَخْدمه فِي وضوئِهِ وغسله بل يتَوَلَّى ذَلِك كُله بِنَفسِهِ وَعَاهد الله أَلا يُؤْذِي أحدا مِمَّن آذاه وَأَن يصفح عَمَّن ظلمه وَكَانَ يَقُول مَا عَاقَبت من عصى الله فِيك بِأَكْثَرَ من أَن تطيع الله فِيهِ انْتَهَت وقْعَة اليساسيري بكمالها وأحببت إيرادها لِأَنَّهَا من أعظم الوقائع وَلم