قال الشيخ الإمام سيدي عبد العزيز الدريرني رحمة الله عليه: معنى التوبة: الرجوع. يقال تاب، وأناب، وآب بمعنى: رجع، والتوبة الرجوع من الأوصاف المذمومة إلى الأوصاف المحمودة، ويقال لمن رجع من المخالفات خوفاً من عذاب الله " أناب " فهو منيب، ومن رجع تعظيماً لجلال الله " آب " فهو أواب، ويقال: أول التوبة يقظة من الله تعالى تقع في القلب فيتذكر العبد تفريطه وإساءته، مع دوام نعم الله تعالى عليه، فيعلم أن الذنوب سموم قاتلة يخاف منها حصول المكروه وفوات المحبوب في الدنيا والآخرة، فإذا حصل له هذا العلم أثمر حالا، وهو الندم على تضييع حق الله تعالى، ثم يثمر الندم عملاً وهو المبادرة إلى الخيرات، وقضاء الواجبات، ورد الظُلامات، والعزم على إصلاح ما هو آت، فهذه الثلاثة إذا انتظمت فهي التوبة. ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الندم توبة " أي أن أعظم أركانها الندم؛ فإنه لا يحصل حتى يتقدمه الركن الأول وهو العلم بضرر الذنب. ويقال: التوبة الحياء العاصم، والبكاء الدائم. ويقال: التوبة الندم على ما فات وإصلاح ما هو آت. ويقال: التوبة أن يعلم العبد جراءته على الله ويرى حلم الله عنه لم يأذن للأرض أن تخسف به أو النار أن تحرقه بما عمل من المعاصي ثم يتوب من الذنب ويعزم أن لا يرجع إليه كما لا يرجع اللبن في الضرع. ويقال: التوبة خلع لباس الجفاء ونشر بساط الوفاء. وقال سهل بن عبد الله: التوبة تبديل الحركات المذمومة بالحركات المحمودة ولا يتم ذلك إلا بالخلوة، والصمت، وأكل الحلال. أي: العزلة عن خلطاء السوء، وفي الحديث: " التائب من الذنب كمن لا ذنب له ". وقال سيدي أبو مدين - رحمه الله -: انزعاج القلب لروعة الانتباه أرجح من أعمال الثقلين. وقال سهل: التوبة ترك التسويف، وقال سري السقطي، التوبة أن لا تنسى ذنبك. وقال البوشنجي: إذا ذكرت ذنبك فلم تجد له حلاوة فهي التوبة. وقال ذو النون: حقيقة التوبة أن تضيق عليك الأرض بما رحبت حتى لا يكون عليك فرار، وتضيق عليك نفسك كما قال الله تعالى: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم) الآية. وقيل لأبي حفص: لِمَ يبغض التائب الدنيا؟ قال: لأنها دارٌ عصى الله فيها. وقال بعضهم: التوبة استشعار الرجل إلى الأجل. واعلم أن الذنب بعد التوبة بسبعين قبلها. قال يحيى بن معاذ: زلة بعد التوبة اقبح من سيعين قبلها ولا تستقيم التوبة إلا بدوام المجاهدة وتوالي الأحزان.
اعلم أن شروط التوبة أربعة: الخروج عن دائرة المخالفة، واستصحاب الندامة، ورد ما يعتني في الذمة، والعزم على أن لا يعود إلى وطن المخالفة. وقال: أول التوبة يقظة العبد من رقدة الغفلة بتوفيق من الله فيرى ما هو عليه من سوء التفريط والتقصير مع دوام نعم الله تعالى فإذا أصغي بقلبه إلى ما يخطر بباله من الزواجر عزم على التوبة فإن وفقه الله للعزم أقلع وتاب واقل ما يجب على التائب هجران إخوانه الذين كان يصحبهم على المعصية. وقال بعض العلماء: ينبغي هجر المواطن التي كان يعصي الله فيها ويسمى هذا: هجرة. وقال صلى الله عليه وسلم: " المهاجر من هجر السوء " وقال أيضاً: " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ". ثم بالمواظبة على مجالسة الصالحين، ومجالسة مجالس الذكر يقوى خوفه، ويدوم ذكره، فينحل من قلبه عقد الإصرار، ويقف عن تعاطي المحظورات ويرد نفسه عن اتباع الشهوات، فيفارق الزلة في الحال، ويندم على ما سلف من قبيح الأفعال، ويعزم على أن لا يعود إلى مثلها في الاستقبال فإن دام على ذلك فهو الموفق قصداً، وإن علا إلى معصية وجب عليه تجديد التوبة، ولا ينبغي قطع الرجاء؛ فإن لكل أجل كتاب وبالله المستعان على كشف الحجاب والعمل بالسنة والكتاب إنه كريم تواب.