وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: مَنْ أحب الناس إليك؟ قال: " عائشة " - رضي الله عنها - ولهذا كان مسروق رضي الله عنه إذا حدث عنها يقول: حدثتني الصِّدِّيقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من فوق سبع سموات. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " حبب إلىّ من دنياكم النساء والطيب وجُعِلت قرة عيني في الصلاة ". فلا عيب على الرجل في محبته لأهله وعشقه لها إلا إذا شغله ذلك عما هو أنفع له من محبة الله ورسوله بحيث يضعها وينقصها فهي مذمومة. واعلم أن المحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله، ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله، ومحبة ما يقطع عن محبة الله وينقصها. فمحبة الله أصل المحبات المحمودة وأصل الأيمان والتوحيد. والنوعان الآخران تبع لها، والمحبة مع الله أصل الشرك والمحبات المذمومة. والنوعان الآخران تبع لها، ومحبة الصور المحرمة وعشقها من موجبات الشرك قاله ابن القيم في كلامه على العشق المحرم قال: وعشق هو مقت من الله وبعد من رحمته، وهو أضر شيء على العبد في دينه ودنياه، وهو عشق " المُرْدان " " كما ابتلى الله به من سقط من عينه، وطرد عن بابه وأبعد قلبه عنه وهو من أعظم الحجب القاطعة عن الله تعالى، كما قال بعض السلف: إذا سقط العبد من عين الله ابتلاه بمحبة المردان. وهذه المحبة التي جلبت على قوم لوط ما جلبت ولا أتوا إلا من هذا العشق قال الله تعالى: (إنهم لفي سكرتهم يعمهون) . ودواء هذا الداء الردى الاستعانة بمقلب القلوب، وصدق الالتجاء إليه، والاشتغال بذكره، والتعرض لمحبته وقربه، والنظر في الألم الذي يعقب هذا العشق، واللذة التي تغويه فتفوت عليه فوات أعظم محبوب وحصول أعظم مكروه، وإن أقدمت نفسه على هذا أو أثر به فليكبر عليه تكبيرة الجنازة، وليعلم أن البلاء قد أحاط به نعوذ بالله من هذا الداء. وكلما كان أبعد من الإخلاص كانت محبته لعشق الصور أشد وكلما كان أكثر إخلاصاً وأشد توحيداً كان أبعد من عشق الصور ولهذا أصاب امرأة العزيز ما أصابها من العشق لشركها ونجا يوسف الصديق - عليه السلام - بإخلاصه قال الله تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) فالسوء: العشق، والفحشاء: الزنا، فالمخلص من أخلص حبه لله فخلصه من فتنة عشق الصور، والمشرك متعلق قلبه بغير الله لم يخلص توحيده وحبه لله.

فصل

فيمن يريد التزويج

وإذا أردت التزويج فعليك بالمرأة الصالحة، والعابدة أفضل، واعلم أن النكاح مستحب لمن أحتاج إليه، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة وإجماع الأمة قال الله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) وقال صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء " أي قاطع للشهوة. وقال صلى الله عليه وسلم: " من تزوج امرأة لمالها أفقره الله تعالى، ومن تزوج امرأة لجمالها جعل الله جمالها وبالا عليه، ومن تزوج امرأة لدينها بورك له وعليه ". وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين ". وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما الدنيا متاع وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة " فإذا عزمت على خطبة المرأة فتخير. وقال صلى الله عليه وسلم: " تخيروا لنطفكم ". وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اطلبوا مواضع الأكفاء لنطفكم فإن الولد ربما أشبه أخواله ". وقال صلى الله عليه وسلم: " إياكم وخضراء الدمن " قيل: وما خضراء الدمن؟ يا رسول الله قال: " المرأة الحسناء في المنبت االسوء ". وقد روى عن يحي بن سعيد بن دينار رضي الله عنه عن أبي وجرة يزيد بن عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك قال أبو عبيدة: أراد فساد النسب إذا خيف أن يكون لغير رشيدة، وإنما جعلها خضراء الدمن تشبيهاً بالشجرة الناضرة في دمنة البعير، وأصل الدمن ما يدمن الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها فربما نبت فيها النبات الحسن وأصله من دمنته يقول: فمنظرها حسن أنيق ومنبتها فاسد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015