وينبغي أن يأمر برفق ويقول للمكشوف العورة: استتر سترك الله، ويقول له: كشف العورة حرام. ومن دخل الحمام بغير سترة فسق، ولا تقبل شهادته سواء كان رجلاً أو امرأة، وكذا إذا دخل بسترة ثم نزعها بحضرة الناس، وجلس عريانا يغتسل بالسدر ونحوه، فذلك فسق مسقط الشهادة. وإذا رأى عاريا بغير سترة يرجع أو يطرح بصره إلى الأرض ويستقبل الحائط كما فعله ابن عمر رضي الله عنهما.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: كانوا يستحبون إذا دخلوا الحمام أن يقولوا: يا بُّر، يا رحيم، مُنَّ علينا، وقنا عذاب السموم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما دخل الحمام وضع يده في الحوض وقال: بسم الله نعم البيت الحمام لمن أراد أن يتذكر، وبئس البيت الحمام لمن نزع الله منه الحياء. ويقول عند ازدحام الناس واشتغالهم بهرجهم: اللهم إني أسألك الأمن من هول يوم القيامة.
قال صاحب الإلمام: إذا دخل المغتسل إلى الحمام للغسل من الجنابة أو الحيض أو النفاس أو لاتساخ رأسه أو بدنه أو للتداوي له أن يغتسل بالسدر أو الخِطْمِىّ وليحذر من استعمال الطين داخل الحمام أو خارجه فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من غسل رأسه بالطين فإنما غسل بلحمه، ومن أكل الطين أكل لحمه ". وعن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من أكل الطين أعان على قتل نفسه ". وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تأكلي الطين فإنه يغير اللون، ويعظم البطن ويعين على القتل ".
فصل
قال شيخنا رحمه الله: يحرم عليه أن يمكن غيره من غسل عورته بل يتولى غسلها بنفسه وليحذر ما يفعله بعض الفسقة المتساهلين في ذلك ممن يمكن البلان من حلق عانته وهذا لا يستعمله إلا من استكملت فيه جميع خصال الدناءة والرذالة، ولا يحل لرجل ولا خنثى دلك بدن امرأة، ولا خنثى دلك بدن رجل لجواز كونه امرأة، والأمرد الحسن هو في هذا كالمرأة، ولا بأس بما جرت به العادة في دلك البلان أو غيره ظهره وإخراج الوسخ بالكف ونحو ذلك إذا لم ينظر إلى العورة أو يمسها. وروى أنس مرفوعاً إلى موسى بن عمران عليه السلام: كان إذا اغتسل لم يلق ثوبه حتى يواري عورته بالماء. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: " إن للماء عوامر من الملائكة كعوامر البيوت استحيوهم وهابوهم وأكرموهم إذ دخلتم الماء فلا تدخلوا إلا بمئزر ".
وقال النووي رحمة الله عليه: كان أبو بكر السمعاني رحمه الله إذا دخل الحمام فرأى عارياً رجع، وذكر أنه يحرم الجلوس بين الخائضين في الفتنة. وروى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه دخل الحمام وعليه إزار فلما وصل إذا هو بهم عراة قال: فجعل وجهه نحو الجدار ثم قال: ائتني بثوبي يا نافع فأتيته به فألتف به وغطى على وجهه ثم ناولني يده فقدته حتى خرج منه ثم لم يدخله بعد ذلك. فقيل له بعد ذلك إنك تستتر فقال: إني أكره أرى عورة غيري. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: لأن أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر ثم أموت، احب إلي من أن أرى عورة الرجل أو يراها مني. وقد امتنع ابن عمر من دخول الحمام لهذا السبب. وأسند الخرائطي عن صالح الدهان قال: دخل جابر بن زيد الحمام فرأى قوماً عراة فقال: سبحان الله أمسلمون هولاء؟ ثم وضع يده على عينيه وخرج - رضي الله عنه ورضى عنا بهم - هكذا كان حال السلف الصالح أصحاب القلوب المنيرة التبعة للسنة إذا رأى أحدهم منكراً انزعج قلبه وفر كالحيوان الحذور. وفي شعب الإيمان للبيهقي رحمه الله أن ابن المبارك رضي الله عنه كان إذا خرج من الحمام صلى ركعتين لما غشاه ووقع بصره عليه. والله الموفق والمعين.
فصل