وفي الآية تخفيف واضح من الله - سبحانه - والآية الثانية تصورُّ (الواقعية) في الطاقات الإيمانية الصابرة بل إن صاحب الظلال يذهب إلى أن آية الواحد أمام اثنين لا يُقصد بها التشريع، ولكن يُقصد بها أن تطمئن قلوبهم، وتثبت أقدامهم.
وأشعر أن الحق مع صاحب الظلال، خصوصاً بعد تطور السلاح، فقد يكون الواحد بسلاحه أخطر من عشرة، بل مائة. وللقائد المسلم الصابر أن يقدر الأمر إقداماً وإدباراً، كرًّا وفرًّا.
* * *
وكانت التربية العسكرية، والاختبارات العسكرية، تنبني على الصعاب دائماً. حتى جاء الإسلام يشهد لهذا التحول العسكري الكبير من المثالية إلى الواقعية، ما حكاه القرآن من قصة "طالوت" في سورة البقرة {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} (سورة البقرة 249)
{مَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} تربية مثالية عنيفة، فالقوم في ظمأ عظيم,
يأتي نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - ويحكم بسقوط الصوم المفروض شرعاً عندما يكون الصائم مسافراً "يعني أيام السفر يُفطر وتلزمه أيام أخر".
وعندما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - زحاما، ورأى رجلاً قد ظلل الناس عليه، قال: من هذا؟
فقالوا: صائم.
فقال: "ليس من البر الصوم في السفر" متفق عليه عن جابر، ومعلوم أن الإسلام يكره صوم المسافر إذا أوصله الصوم إلى المشقَّة.
كما في الرجل الذي رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس حوله.