جاء النبي ليُبين أن الكمالات نهر واسع، لا يمكن لأحد من البشر أن يستوعبه كله، فليشرب كل إنسان على قدر استعداده.
{فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} (سورة البقرة 265)
الكمالات ظلال لأسماء الله الحسنى، وأنت بشر، فلا تطلب ممن عرفته أن يشرب النهر كله. حتى ولو كان من دعاة الفضيلة، ورجالات الأخلاق.
على أن بعض الجماعات المسلمة قد أجهدت نفسها، وألزمت نفسها بالمثالية, لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتنازل في كثير من سلوكه عن المثالية.
لقد تحمل غُرم الإسلام، وجعل غُنْمه للمسلمين.
وتحمل نفقات الدعوة من مال زوجته السيدة خديجة - رضي الله عنها - ومن مال أصهاره أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما - ولما شرع الإسلام الصدقة. وفرض الزكاة، حرمهما النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفسه، وعلى آل بيته. ولم يجعل الغنُم بالغُرم.
وقد قرأت في كتاب مدارج السالكين للإمام ابن قيم الجوزية:
دعوة إلى ما نسميه "الأخلاق المثالية"
قال: أنْ تقرِّب من يُقْصيك - أي يباعدك عنه - وتُكرمَ من يؤذيك، وتعتذر إلى من يجني عليك. سماحة لا كظماً، ومودة لا مصابرة ثم قال:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
ثم يقول: إن الذي جنى عليك فعل ذلك لذنب ارتكبته.