* وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
وبعد الأمر النظري بالإعراض عن الجاهلين، يأتي القرآن بتدريبات عملية للنبي - صلى الله عليه وسلم - يُبيّن له فيها كيف يَعرض دعوته، وكيف يُعرض عنهم.
- قال تعالى {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} (أول سورة يس)
قلت في كتابي "حتى لا نخطئ فهم القرآن" هذا القسم هو أعجب قسم في القرآن الكريم. لأن الأصل في عملية القَسَم أن يكون المُقْسَمُ به موضع تعظيم عند المخاطب بالقسم، حتى يحدث عنده تصديق نفسي.
وهنا - وَجْهُ العجب - أنَّ الذي لا يؤمن بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يؤمن كذلك بالقرآن، ولا يعظمه.
فكيف يقسم الله بالقرآن لمن لا يؤمن به؟
أقول: كأن الله يقول: لا يوجد شيء يمكن أن أقسم به على نبوة محمد، إلا نبوة محمد، وأعرض عن الجاهلين، وعن كلامهم.
وجاء في الشعر العربي.
أنا أبو المجد، وشعري شعري.
يعني لا يوجد شيء يصحّ أن أشبّه به شعري إلا شعري.
وجاء مثل هذا الأمر في مطلع سورة الشورى في قوله تعالى {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فالقرآن مشبّه، ومشبّه به. على دعوى أنه لا يصلح شيء يُشبّه به القرآن إلا القرآن.
وهو المعنى الذي رأيناه في مطلع سورة (يس) .
فالله أقسم بالقرآن الحكيم على أن محمداً من المرسلين.