الشبهة الثالثة: تقول: بأن أبا حنيفة كان يقدم الرأي والقياس على النص، ولعلها من أخطر الشبهة التي توجه إلى مذهب الإمام، وأستطيع أن أرد بما رد به الإمام أبو حنيفة ذاته، فيقول أبو حنيفة: كذب والله وافترى علينا من يدعي أننا نقدم القياس على النص! ثم يقول: وهل بعد النص قياس؟! ويقول أبو حنيفة في موضع آخر: ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاءنا عن الصحابة تخيرنا - أي قد نأخذ بقول عمر ولا نأخذ بقول ابن عباس - وما جاءنا عن غيرهم فهم رجال ونحن رجال.
فهذه أيضاً قولة وشبهة غير صحيحة، وقال عن ذلك الإمام ابن القيم في كتابه المدهش: (إعلام الموقعين) ، قال: إن أبا حنيفة يقدم الحديث الضعيف على القياس.
ثم يقول ابن القيم: فكيف يُدعى بعدئذ أن أبا حنيفة يقدم القياس على النص؟! وقال الإمام ابن حزم في كتابه (المحلى) : إن جمهور أصحاب أبي حنيفة يقرون بأن مذهب الإمام أنه يقدم الحديث الضعيف على القياس والرأي، فكيف يدعى بعد ذلك أنه يقدم القياس والرأي على النص الصريح الصحيح؟!! وهذا ما أقره أيضاً الإمام ابن حجر في مقدمته في كتاب فتح الباري حيث قال: ومن ثم فإنه لا يعتد بجرح الجارحين الذين جرحوا أبا حنيفة بكثرة القياس.