وقبل أن نشرع في الفهم الفقهي أريد أن أبين مسألة مهمة، وهي أن الرجل له وطر يقضيه من المرأة، والمرأة لها وطر تقضيه من الرجل، وهذا الوطر -وهو الجماع والوطء- إذا تحقق عن طريق إيجاب وقبول ومهر وولي وشاهدين وأعلن سمي نكاحاً شرعياً، وكان من سنن الأنبياء والمرسلين، والغاية منه الوطء وقضاء الوطر.
وإذا تحقق عن طريق إرغام الرجل المرأة تحت تهديد السلاح فإن الرجل يسمى مغتصباً زانياً يقام عليه الحد، والمرأة لا يلحقها شيء في الشرع؛ لأنها مجبرة مكرهة لا خيار لها.
وإذا تحقق عن طريق التراضي بين رجل وامرأة سراً فإنه يسمى زنا، وفيه الحد عليهما.
وإذا تم عن طريق التراضي من غير طريق النكاح واشترطت المرأة مالاً فإنه يسمى بغاء، فتعتبر المرأة التي تصنع هذا الصنيع بغياً، أما الأولى فتعتبر زانية.
فالزانية من لا تطلب أجراً؛ لأنها تستفيد من قضاء وطرها، وأما من تشترط الأجر وتتخذه مهنة فإنها تسمى بغياً، والمقصود في الأحوال الأربعة هو المتعة الجنسية في المقام الأول، ومع ذلك فإن أحدها من أعظم السنن، وأحدها لا يلحق المرأة به شيء، وأحدها زنا يجلب الحد، والرابع زنا كذلك يجلب الحد، ولكن المرأة تسمى فيه بغياً.
والمقصود من هذا أن الإنسان قبل أن يحكم على الشيء عليه أن يعرف واديه في الشرع، ومجراه في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يصح أن يعمل بنص ويهمل آخر، أو أن ينظر إلى نصوص الشرع نظرة جزئية فيجعل بعض النصوص مهيمناً على النصوص كلها، فهذا خطأ منهجي، بل قبل أن يتفوه الإنسان بالحكم الشرعي يجلب كل النصوص التي في الباب، وينظر إلى الشريعة إجمالاً، فيتبين له بعد ذلك الحق من غيره، والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة:115].