الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا اله الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
قال الله جل وعلا فيما: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115].
هذا المقطع من سورة طه يتكلم عن عهد الله جل وعلا لأبينا آدم، وآدم قبل أن نتكلم عن قصته هنا يجب أن نصتصحب ما من الله جل وعلا به عليه، وفائدة هذه الاصتصحاب: أن الإنسان أحياناً إذا رأى كلام الله عن أحد أنه وقع منه خلاف الأولى، أو وقعت منه المعصية؛ يقع في نفسه شيء من دون أن يشعر من ذلك المذكور، فسداً لهذه الباب واتباعاً لسنه النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (لا يقول أحد أنا خير من يونس بن متى)، من هذا الباب نقول: إن آدم عليه السلام فضله الله بأمور لم يعطها أحداً من الخلق، لا نبينا صلى الله عليه وسلم ولا غيره، هذه الأمور منها: أن الله جل وعلا خلقه بيده، وهذه خصيصة له من دون سائر بني آدم، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها، وهي أربع خصال لم تعط لأحد غيره عليه الصلاة والسلام هذا أمر.
الأمر الثاني: أن وجه آدم منتهى الكمال البشري، وقد ذكرنا أن يوسف أعطي شطر الحسن، إي: شطر حسن آدم عليه السلام.
قال الله تعالى هنا: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا} [طه:115]، قوله: (عهدنا) عهد: لفظ يستخدم في التعظيم والتفخيم، ولا أحب أن يقول الفرد من الناس: عهدت إلى فلان أن يفعل كذا، وإن كان مستخدماً في اصطلاحات المؤرخين، لكن أرى ألا يستخدم، وأنه يتعلق بذات الله، لكني لا أجزم أنه لا يجوز.
يقول الله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ} [طه:115] أي: من قبل موسى، من قبل هذا كله الذي قصصناه عليك.
قال تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115] عبر الله هنا بالنسيان، وقال بعد آيات: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121]، لا تنسب إليه، مع أن الله صرح بها، لكنني أقول: هناك كلام لـ ابن العربي في أحكام القرآن جيد عظيم فحواه: أن كلام الله عن آدم غير كلامنا نحن عن آدم، فكلام الله جل وعلا عتاب وفيه شيء من التثريب، لكنه خطاب رب لعبده، أما نحن فنتكلم عن أبينا آدم بالنبي، ونبوة آدم ثابتة فقد جاء في الحديث أنه قيل: (يا رسول الله! أكان آدم نبياً؟ قال: نعم، نبي مكلم) والحديث صحيح.
يقول الله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115]، ما هو العهد الذي عهده الله لآدم؟ بالاتفاق ألا يأكل من الشجرة.